بدأ العد التنازلي للدورة التاسعة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب المقرر عقدها في جانفي 2018، وكان قد تم إعلان “الجزائر” كضيف شرف للدورة المقبلة في وقت سابق. ولعل الكثير من
المثقفين المصريين يرون أن الجزائر تستحق ذلك، بل تأخرت استضافتها كضيف شرف أسوة بدول أخرى سبق استضافتها.
وفي هذا الصدد، لفت الناقد الدكتور صلاح السروي، إلى أن الجزائر لها رمزية في الثقافة العربية والتاريخ العربي بشكل عام، فالجزائر تعتبر نموذجا لحركة التحرر العربية، فمن العظيم أن تثور الشعوب ويسقط مليون ونصف شهيد من أجل الحرية، وقد شهدت الجزائر أكبر مواجهة للإرهاب في حقبة التسعينيات، ولها رمزية خاصة في هذه المرحلة بالتحديد.
وعن الفكر والأدب والثقافة أكد أن للجزائر مساهمات كبيرة للغاية في الأدب، فلديهم كتّاب لهم صيت عالمي مثل الطاهر وطار ومحمد ديب وغيرهما من الأسماء المهمة في الأدب والثقافة، كما أنه على مستوى النقد لديهم الدكتور عبد الملك مرتاض صاحب الباع الطويل في دارسة نظريات الرواية، وهنالك العديد من الأسماء الجزائرية اللامعة في المشهد الثقافي والنقدي والإبداعي العربي المعاصر.
وأضاف أن ما سبق ولعدد آخر من الأسباب يتأكد أهمية اختيار الجزائر كضيف شرف لمعرض الكتاب هذا العام، وهو الأمر الذي يؤيده بشدة، لافتا إلى أنه بعد نكسة 1967 كان إسهام الجزائر في التضامن مع مصر أكبر من أن يوصف، حيث أرسل هواري بومدين كل ما لديه من طائرات إلى مصر بعد تحطيم السلاح المصري، كما طلب من مصر أن تطلب من الاتحاد السوفيتي الأسلحة اللازمة وهو يتكفل بالدفع، وهذا كله يؤكد الإسهامات والعلاقات الجيدة بين مصر والجزائر على مدار التاريخ.
من جانبه، أكد الشاعر والمترجم رفعت سلام أن مصر تأخرت كثيرا في استضافة الجزائر كضيف شرف لمعرض الكتاب لأنها كانت أولى من دول سابقة، فثقافة الجزائر عريقة ولها إنجازات كبيرة في المجالات الثقافية المختلفة، سواء السينما التي كانت متقدمة لديهم وهناك عدد من المخرجين الجزائريين الكبار شاهدنا أفلامهم الرفيعة من قبل، أو في الأدب ولديهم الطاهر وطار وغيره من الأجيال الجديدة التي ظهرت في العشر سنوات الأخيرة في الرواية والشعر، كما أن الحركة النقدية والأكاديمية متقدمة للغاية بالجزائر، فالجامعات هناك تلعب دورا كبيرا في تطوير الفكر النقدي باستخدام المناهج الحديثة على نحو غير موجود في الجامعات المصرية، فبالتالي كانت الجزائر الأولى باستضافتها بشكل مبكر عن ذلك.
كما أعرب الناقد الدكتور حسام عقل، عن ترحيبه بالجزائر كضيف شرف، مؤكدا أن استضافة الجزائر باعتبارها ضيف شرف للمعرض هو قرار صائب، بل هو قرار تأخر كثيرا، فهي حاضنة كبيرة للثقافة بتنوعاتها الخلاقة وبغزارة منتجها شعرا وسردا ومسرحا ونقدا، فضلا عن اشتباك الجزائر بكل القضايا العامة وخصوصا القضايا العربية، معربا عن أسفه بأن مصر اتخذت من الجزائر في سنوات سابقة مواقف شديدة السلبية أثرت على مجرى العلاقة بين البلدين وأساءت إلى اللُحمة التي تربط بينهما وتأثرت النخبة في كلا البلدين بعواصف المد والانحسار.
وقال عقل: “أذكر في هذا السياق وبعد رحيل الروائي الكبير الطاهر وطار أنني عرضت على لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة حينما كنت عضوا فيها، عقد ندوة تأبينية له، لكنني فوجئت بعاصفة من الهجوم والرفض المستهجن بحجة أننا نصنع أصناما بغير ضرورة وكان هذا من حصاد فترة ساءت فيها العلاقة بين البلدين بسبب الدوائر الانعزالية هنا وهناك، والآن جاءت الفرصة لإعادة ربط العلاقة، فالجزائر عاصمة الثقافة العربية وقلعة النضال العربية، وفيها حركة تعريبية ضخمة، ويضاف إلى ذلك أن في الجزائر حركة مسرحية ناهضة، والعطاء الثقافي الغزير الذي يمثله أناس في قامة واسيني الأعرج وأحلام مستغانمي، كما أن للجزائر مواقف سياسية تتسم بالتوازن والاستقلال والبعد المطلق عن التبعية وروح التحزب، فالجزائر تنتصر سياسيا في المحافل الدولية للقضايا العربية ونجحت في خلق سياسة مستقرة مستقلة متوازنة، وفيها حركة ثقافية واعلامية تلفت الأنظار بقوة وتؤكد أن الميديا هناك تتميز بالاحتراف في تناول القضايا المختلفة، ولا شك أن حضور الجزائر ضيفا رفيعا في معرض القاهرة الدولي للكتاب هو استرداد للروح العربية وتأكيدا لريادة الثقافة الجزائرية”.