معالم أهرامية ونصب جنائزية تغري الزوار “تندوف”.. بريق الصحراء الدافئ

elmaouid

هي السحر حين تُبدعه الطبيعة وهي السحر حين يُبدعه الخالق سبحانه… رغم قساوتها وقساوة المعيشة فيها إلا أنها تحفظ عادات العرب وأعرافهم وتأخذ بالألباب وتسحر الحواس وتُخدّرها… ولا يمكن الحديث عن

صحراء الجزائر دون ذكر ولاية تندوف، هذه الولاية الساحرة ببريق رمالها، الجميلة بخضرة واحاتها والمتميزة بكرم أهلها، هذه الولاية ذات المساحة الشاسعة والقصور النادرة والمخطوطات النفيسة.

 

قصور تاريخية وقصبات خالدة

عندما تعتزم القيام بجولة سياحية لولاية تندوف، عليك الانطلاق من داخل المدينة ،حيث يتواجد أهم القصور التاريخية التي تتشكل من قصبات كما تداول ذلك من السكان، وهي قصبة الرماضين وتوجد بها خزانة للمخطوطات النفيسة والوثائق التاريخية، وقصبة موساني العتيق التي يوجد بها مقر زاوية محمد المختار بن بلعمش، وهو أحد الوجوه التاريخية البارزة بالمنطقة، ويقابلها المسجد العتيق وضريح الولي الصالح محمد المختار بن بلعمش، إضافة إلى مجموعة من الدور التاريخية التي ما تزال شواهدها باقية إلى اليوم كدار الديماني بحي القصابي ودار عيشة بالرماضين وغيرها من الدور ذات الطابع الهندسي المميز للمنطقة، ومن جهة أخرى تتواجد أضرحة منتشرة عبر تراب المدينة كضريح سيد العرابي بحي القصابي، وقد عرفت تلك الأماكن السياحية داخل مدينة تندوف توافدا للعديد من زوار المنطقة كالسياح والمثقفين، فضلا  عن زيارتها من تلامذة المدارس بغرض غرس مفاهيم التراث في أذهان الناشئة وتعريفهم بالأثار.

 

”دار البرتغيز”.. أحد المعالم الأثرية النادرة والغريبة

توجد في مدينة تندوف أثار على شكل هرمي بمنطقة واد أزام المعروفة لدى أغلبية سكان الجهة بـ ”دار البرتغيز”، وتعني الكلمة البرتغاليين، ويمثل أحد المعالم الأثرية النادرة والغريبة على حد سواء، وهي  دار مربعة الشكل بها مجموعة من البيوت المفصلة بنفس الحجم والمقاس، وتوجد بقايا برجة مصنوعة من الصفائح الحجرية التي يمكن أن يكون الإنسان القديم الذي عمّر بالمنطقة قد صنعها وشكلها، والذي امتاز بالقوة وضخامة الجسم.

وتوجد إلى جانب ذلك، أثار مختلفة كالقلعة ذات الشكل الهرمي، والمداخل والأبواب المتعددة بضواحي واد الماء (أم لعشار)، وتحيط بالمكان نصب جنائزية، حيث تشير الحكايات المستقاة من الرحل المتواجدين على ضفاف وحواشي الأودية، إلى أنها قبور الهلاليين الذين كانوا يمتازون بطول القامة، كما توجد على جنبات القبور الدائرية التي ترتفع منها أعمدة حجرية يصل طول بعضها إلى مترين أو أزيد، إضافة إلى تواجد بقايا الجماجم والعظام البالية، تقول الحكاية الشعبية هناك بوجود متاع وأواني قديمة قد دفنت مع أصحابها منذ عقد من الزمن.

 

 

“أجفار” .. الأشكال الهرمية والنصب الجنائزية

يفضل البعض من سكان ولاية تندوف قضاء عطله خارج المدينة للتمتع بهواء المناطق السياحية بالمناطق النائية كمنطقة “أجفار” وهي عبارة عن تنوع جغرافي في غاية الروعة، إضافة إلى المعالم الأثرية ذات الأشكال الهرمية والنصب الجنائزية المنتشرة عبر فضاء صحراء الولاية لاسيما بمناطق “لكحال” و”شنشان” على مسافة تزيد عن 500 كلم، وهي أماكن مليئة بالرسومات الصخرية ونقوشات الحيوانات كالبقر والفيلة والتيس والإبل والطيور وغيرها، مع تواجد أشكال مختلفة من أدوات الصيد التقليدي القديم لآلاف السنين كالأحجار المدببة الرؤوس والأسهم الحجرية، كما تزخر منطقة الزمول من جهة أخرى بآثار سياحية كبيرة كالثكنة العسكرية من عهد الاستعمار التي كانت بمثابة السجن الاستعماري بقرية حاسي منير، فضلا عن تواجد البحيرات المائية والسبخات والآثار المنتشرة بمنطقة سطح القمر وقاع بحر بهضبة أم الطوابع أنها فضاءات قابلة لبعث عالم سياحي جديد بتندوف وتكريس حقيقي للثقافة السياحة.

 

 

الصناعة التقليدية.. أهم مسلك للتعريف بالتراث اللامادي

تعتبر الصناعة التقليدية بتندوف أهم مسلك للتعريف بالتراث اللامادي الذي تزخر به المنطقة، وحقق فيه الحرفيون المحليون شأنا كبيرا بمهارة وإتقان، ما جعل الصناعة الحرفية التندوفية تأخذ مكانة أساسية ضمن الثقافة السياحية لما يكثر عليها من طلب داخل وخارج الولاية من حيث اقتناء التحف الجلدية المزخرفة أو القلائد التقليدية وغيرها من مستلزمات الديكور التقليدي والهدايا.

يبقى أن نشير في الأخير إلى أن السياحة الشبانية تلعب أيضا دورا كبيرا في التعريف بالمناطق السياحية عبر الوطن، وتروج للمشهد السياحي المحلي عبر الولايات، وهو ما جسده بيت الشباب بتندوف بتنظيمه مؤخرا  أسبوع إعلامي للسياحة الشبانية شاركت فيه بعض الولايات كالشلف والنعامة وتلمسان وعين الدفلى وبشار، بالإضافة إلى الجمعيات المعنية بالموروث التراثي، حيث مكّن هذا الأسبوع من نشر وعرض المكونات السياحية للولايات المشاركة مما سمح لشباب تندوف بالاطلاع عن قرب على الثراء السياحي الوطني.

 

“معروف سيدي بلال”.. عندما تُحكى الثقافة بعذوبة الصوت ورهافة الحس

تظاهرة “معروف سيدي بلال” أكثر التظاهرات التراثية والثقافية التي تقام في ولاية تندوف شهرة، وتشارك فيها فرق ثقافية ورياضية قادمة من بلديتي ولاية تندوف وولايات أخرى، وهو نشاط يتخلله ألعاب رياضية وسباقات للإبل تعكس فعلا حقيقة عادات وتقاليد وكرم أهل ولاية تندوف وتعكس أيضا الموروث الثقافي لأهل تندوف الذين يسعون للحفاظ عليه من خلال الاحتفال بمثل هذه المناسبات.

وسميت التظاهرة (بمعروف سيدي بلال) نسبة إلى “بلال بن رباح” وهي تقام سنويا في تندوف، ولعل أهم ما يميز هذه التظاهرة هو تلك الفرق التي تعزف على آلات موسيقية بألبستها التقليدية لتمتع الحضور بنغمات عذبة، منسجمة إنها “القرقابو” التراثية الراقصة التي تعتبر من بين أهم الأنواع الموسيقية في المغرب العربي بل في القارة الإفريقية بأسرها.

ونجد في الجزائر أن هذه الموسيقى منتشرة بكثرة في الجنوب الغربي، فهي إيقاع ضارب أعماقه في جذور التاريخ، من أصول زنجية متوارثة أبا عن جد، وكما نجد لكل موسيقى دلالتها، فالقرقابو أيضا لديه دلالته الخاصة، فهو يعبر عن المختلجات النفسية وعن استقلالية الذات، إضافة إلى أنه يرمز إلى روح التضامن والرحمة بين الأهالي.

تتبع موسيقى القرقابو رقصات تتميز بطابع فلكوري يعبر عن طقوس روحية لمختلجات نفسية، ترمز إلى عناء العبودية في العصور الغابرة، كما تمد التظاهرة طابعا خاصا وحركية مميزة، ويسمى الغناء في رقصة القرقابو بـ “البرح”، وقد أدخلت على القرقابو العديد من النصوص الجديدة أقحمها أكاديميون ومبدعون في كل من الجزائر والمغرب، وتدعو هذه النصوص إلى الاتحاد والمحبة وفعل الخير، ويقود فرقة القرقابو رجل كبير في السن يدعى “المقدم”، وتستعمل في موسيقى القرقابو أدوات موسيقية تدعى “القمبري” و”القسطانيس” و”الطبل”.

ولتظاهرة “معروف سيدي بلال” مغزى اجتماعي، ثقافي، سياحي وديني من خلال ما تحمله من أبعاد، فهي تشكل محطة هامة لدعم الثقافة المحلية والحفاظ على التراث الثقافي الذي تزخر به ولاية تندوف، كما أنها أصبحت عادة حميدة يهب الجميع للتحضير لها وإقامتها، دافعهم في ذلك إيمانهم بأبعادها الإصلاحية المتمثلة في التقارب والتآلف، فهي فرصة للاجتماع في ساحة واحدة والأكل من طبق واحد في مناسبة واحدة هي “معروف سيدي بلال”.

أما عن إيجابياتها بالنسبة للسياحة فهي تساهم بشكل مباشر في تعزيز السياحة في تندوف، من خلال جلب الزائرين من الولايات المجاورة مثل بشار وبسكرة، إضافة إلى أن هذه التظاهرة هي من روافد السياحة الثقافية بالنسبة للمنطقة ذلك لأنها تساهم بشكل مباشر في جلب السياح الأجانب الذين يقدمون في كل مرة انطباعا حسنا عن التراث الثقافي بصفة عامة.

 

بدو تندوف يتشبثون بحياة الترحال

لم يتعب بدو تندوف، الذين يصرون على التنقل بخيمهم ومواشيهم، من الترحال من منطقة لأخرى ومن واد إلى آخر، بحثا عن الكلأ وتتبع الأمطار، فقد تعودوا على هذه الحياة التي توارثوها أبا عن جد. وهو نمط معيشي ما زال موجودا بتندوف رغم صعوبته، فالمتجول عبر المناطق الرعوية الثمانية المصنفة بالولاية، يصادف عبر أوديتها وحول نقاط المياه بقايا الفرغان، فالفريغ أو الفريق، هو مجموعة خيم ترحل وتقيم في آن واحد وإن افترقت أياما لسبب أو لآخر، فإنها ستجتمع يوما ما، فمثل ما هو معروف البدو الرحل إلى جانب الخيم المصنوعة بأنامل نسائهم يمتلكون قطعانا من الغنم ويحرصون على الإستقرار بالمناطق التي بها نقاط المياه، لذا، هم دائما في رحلة بحث عن الماء، فرغم صعوبة المناخ والتضاريس وشساعة مناطق الرعي، إلا أن البدو الرحل بتندوف اختاروا تلك الحياة وعن قناعة كاملة، وبحسب أحد الرحل بتندوف، فقد أكد أنهم ترعرعوا وتربوا في الطبيعة واعتادوا على هذه المعيشة، فحين يذهبون إلى المدينة، لا يستطيعون التأقلم مع مناخها، وبالتالي، يشعرون باختناق وضيق في التنفس. وعلى الرغم من شساعة الصحراء وتباعد منابع المياه وصعوبة التنقل إليها، إلا أن البدو الرحل لازالوا يعتمدون على النجوم لبلوغ المكان المطلوب، فهي تعتبر الدليل لهم خاصة في الليل. من جهة ثانية، برامج التنمية التي اعتمدتها ولاية تندوف أولت أهمية بالغة، لتثبيت البدو الرحل في مقر سكناهم من خلال تقديم مختلف الإعانات والمساعدات، لكنهم يصرون على حياة الترحال لدرجة يطالبون فيها بالعلف لماشيتهم أكثر من الخيم.