ظاهرة اقتصادية واجتماعية قديمة تعاني منها الدولُ برمَّتها المتقدمة منها والمتخلِّفة؛ ألا وهي الفقر؛ فالدول الغنيَّة لا تخلو من وجود طبقة من الفقراء، والدول الفقيرة على فقرها تتكدَّس فيها الثروات بِيَد فئة قليلة من الأفراد، وهم الأثرياء. الفقر مرض فتَّاك، يلحق الضررَ بالكثيرين إن تُرك دون محاربة. وقد اهتمَّ الإسلام بمحاربته، ووضع وسائل عديدة للقضاء عليه ما أمكن، وقد عالج الإسلامُ هذه الظاهرة بأمرين أساسيين: الأول: احترامه للكرامة الإنسانيَّة. الثاني: سنُّه لمبادئ التكافل الاجتماعي. أمَّا احترامه للكرامة الإنسانيَّة، فقد سوَّى بين جميع الأجناس والألوان والطبقات في الكرامة الإنسانيَّة، وجعل المفاضلةَ على اعتبار التقوى والإنتاج والعمل الصَّالح. أمَّا سنُّه لمبادئ التكافل الاجتماعي، فحلولُ الإسلام كانت أرقى ممَّا وصلت إليه البشريَّة في العصر الحديث.
الحل الأول: السعي والعمل: لا بد لكلِّ قادر أن يسعى ويعمل، فالرزق مضمون لكنَّه لن يأتي إلا بسعي، كما أنَّ خيرات الأرض كثيرة، ولا حجَّة لأحد في ترك العمل كسلاً أو إهمالاً بحجة أنَّ الله عزَّ وجل كتب عليه الفقر، وأنَّه بلا حظٍّ في الدنيا. العمل شرف؛ فلا يعيب المرءَ نوعُ عمله ما دام مشروعًا، وقد شجَّع رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابَته على مزاولة المهن. عن الزبير بن العوام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لأن يأخذ أحدُكم حبله فيأتي بحزمة من الحطب على ظهره، فيبيعها فيكفَّ بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطَوه أو منعوه” أخرجه البخاري. من المعلوم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رعى الغنمَ قبل بعثته، وزاوَل مهنة التجارة، واشتغل صحابتُه الكرام بمهن مختلفة؛ كالزراعة والتجارة، بل إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عدَّ الطعامَ الذي يأكله المرءُ من عمل يده هو أطيب طعام؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما أكل أحدٌ طعامًا قط خيرًا من أن يأكُل من عمل يده، وإن نبيَّ الله داود صلى الله عليه وسلم كان يأكل من عمل يده” رواه البخاري.
الحل الثاني: أوجب على أقارب الفقير الموسرين أن يتكفَّلوا بأقاربهم الذين أصابهم الفقر بسبب العجز عن العمل أو الشيخوخة، أو وفاة المعيل عن زوجة وأبناء، وربما كان له والدان وأخوات؛ لتحقيق التراحم والتكافل. قال تعالى: ” وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ” الإسراء: 26 يعني: صلة الرحم، وأراد به: قرابة الإنسان، وعليه الأكثرون. بل جعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم صلةَ الأرحام ومواساتهم سببًا في سعة الرزق؛ ففي الحديث المتَّفق عليه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَن أحبَّ أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه” رواه البخاري.
الحل الثالث: أوجب الله عزَّ وجل للفقير نصيبًا من أموال الزكاة: قال تعالى: ” إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ” التوبة: 60. فيُعطَى الفقير من مال الزكاة ما يؤمِّن نفقاته، وليس لأحد عليه مِنَّة ولا فضل؛ بل هو حقٌّ له، جعله الله عزَّ وجل في مال الأغنياء.