مصير مجهول وأبناء بلا هوية…الأمهات العازبات.. أرقام متزايدة ووجه آخر يكشفه الواقع…- أمهات بيولوجيات يتحدين المجتمع ويرفضن التخلي عن أبنائهن

elmaouid

  أعادت تصريحات وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، مونية مسلم سي عامر، الحديث عن الأمهات العازبات إلى الواجهة، باعتبارها من الظواهر المسكوت عنها بسبب حساسية الموضوع، خاصة فيما يتعلق بالأرقام التي أكدت تزايد الظاهرة، إضافة إلى تحميل الوزيرة مسؤولية ذلك للمجتمع برمته.

واعتبرت وزيرة التضامن أن ظاهرة الأمهات العازبات هي “مسؤولية المجتمع برمته”، بالنظر إلى أن “آثارها أخلاقية يتحملها الجميع”، وقدّرت عدد الأطفال المتواجدين بمراكز الطفولة المسعفة على مستوى 41 ولاية من الوطن بـ 1237 طفل إلى غاية نوفمبر 2016.

وتوفر هذه المراكز -تضيف مسلم- “الدعم النفسي والاجتماعي والتربوي لهؤلاء الأطفال في إطار سياسة النشاط الاجتماعي والتضامن الوطني طبقا لما نص عليه الدستور”.

كما دعت الوزيرة كل الجهات الفاعلة إلى “المساهمة في مساعدة الأمهات العازبات اللواتي يعشن وضعية اجتماعية صعبة”، خاصة -كما قالت- وأن “الكثير منهن ضحايا زواج عرفي أو عنف أو مشاكل أسرية واجتماعية”.

وذكرت مسلم في هذا الإطار أن “363 أم بيولوجية قررن عدم التخلي عن أطفالهن خلال سنة 2017″، مشيرة إلى أن قطاعها “يتابع هذا الملف بدقة بغية توفير المساعدة والرعاية الاجتماعية لهؤلاء الأمهات ومحاولة إعادة إدماجهن في المجتمع، لاسيما وأن أغلبهن كن ضحايا علاقة زوجية عرفية”.

 

 

اختلاف في التفاصيل واتفاق على المرارة

تختلف قصصهن في تفاصيلها ولكنها تشترك في المرارة والندامة على لحظة حولت حياتهن من فتيات عفيفات إلى أخريات لفظتهن عائلاتهن ليصبحن محط احتقار المجتمع الذي لا ترحم محكمته، والتي حولتهن إلى أمهات عازبات وأبنائهن إلى “ولاد الحرام” الصفة التي ستلازم المولود مدى الحياة، فالأمهات العازبات لسن كباقي الأمهات اللائي دخلن المستشفيات ووضعن حملهن ومن حولِهن أفراد العائلة، لأنهن أمهات قدمن شرفهن عربونا لحب مزعوم وزواج موعود، فكانت النتيجة طفلا دون نسب وبلا هوية.

 

عدالة منزلية لا تتسامح مع قضايا الشرف

تحولت العديد من الفتيات الشريفات في لحظة طيش إلى “عاهرات” في نظر مجتمع يستحيل أن يعذر الفتاة المخطئة، وفتيات منبوذات حكمت عليهن العدالة المنزلية بأحكامها القاسية التي لا تتسامح مع قضايا الشرف، مع أن الأم العازبة شابة كسائر الشابات، كانت تحلم بـتأسيس أسرة عمادها الصلاح، وعمودها التوازن، وأساسها التربية والأخلاق، لكن الأقدار غيرت مسار مشوارهن، لتتعدد القصص وتتنوع الحكايات، وتبقى المعاناة السمة الأبرز والعنوان الأساسي.

 

لعنة “الحب” تدخل “حنان” عالم الأمهات العازبات

“راني نادمة” بهذه العبارة بدأت “حنان” سرد قصتها المحزنة – والتي تطلّب الوصول إليها توسط رئيسة جمعية نسوية ساعدتها في أوقات محنتها، فتحدثت وقلبها يتقطع ندما وحسرة على ما ارتكبته في حق نفسها، وفي حق عائلتها وابنها البريء، باسم لعنة “الحب” الذي قادها لعالم الأمهات العازبات، “حنان” جمعتها علاقة “حب” إن كانت فعلا كذلك مع شاب التقته في إحدى المراكز التجارية وتقاسمت معه الكثير من الأحلام والأيام، ولم يجل في خاطرها يوما أن فارس أحلامها المزعوم سيغدر بها، وهو الذي وعدها بالزواج وإقامة عرس يتذكره الجميع حسب قوله، فوقعت حنان في مصيدته وباعت له عواطفها في المقابل، كان فارسها الموعود يبيع لها الأوهام، ويتحين الفرصة المواتية للنيل منها ومن شرفها، وهو ما كان فعلا، حيث لم تكتف حنان بتقديم قلبها وصدق عواطفها، ففي لحظة ضعف باعت جسدها للفارس الموعود الذي بدل أن يطرق باب بيت عائلة حنان ويفتح أبواب الحلال، طرق أبواب الشر وفتح أبواب الجحيم والمجهول في وجهها.

تسترت حنان في البداية عن الأمر، ولكن بعد أن لاحظت حملها أخبرت شريكها في الفعل، فما كان له إلا أن طلب منها أن تجهض حملها، فتوسلته ألا يتركها وحيدة تواجه المصيبة التي كان سببا فيها، بل وصارحته أن عائلتها ستقتلها إن علمت بالأمر، لكنه تخلى عنها وعما تحمله في بطنها فغيّر مكان العمل وغيّر رقم هاتفه ليترك “حنان” تواجه الجحيم أمام عائلة مرغت وجهها في التراب، وأمام مجتمع لا يرحم هذه الخطايا، بعدما علم أهلها بجريمتها حاول أخوها قتلها فهربت من البيت لتجد نفسها في الشارع تمتهن التسول في النهار، وفي الليل تلجأ إلى العمارات التي لا يغلق القاطنون بها أبوابها لتبيت بها وتنهض في الصباح الباكر لتغادر المكان حتى لا يكتشف أمرها، وبقيت على هذه الحال لمدة سنتين كاملتين، ثم قررت أن ترسم لنفسها طريقا جديدا تعتمد فيه على نفسها، فقامت بتسجيل ابنها على اسمها بعدما التحقت بإحدى دور الرحمة وقامت بالتكوين في فن الطبخ وعملت بأحد المطاعم ما مكنها من قضاء حوائج ابنها، وهي الآن تبحث عن مأوى يأويها ويجنبها التشرد من جديد.

 

تقدم لخطبتها ثم جعلها أما عازبة

“سلمى” اسم آخر وقصة أخرى لنتيجة واحدة، هي فتاة تقدم لخطبتها شاب مغترب بإيطاليا وهو ما تم فعلا في جو عائلي جعلها تضع ثقتها الكاملة فيه، لكنه غدر بها واغتنم فرصة الثقة التي وضعها فيه أهلها لينال مبتغاه ويغادر أرض الوطن، تقول “سلمى” وهي تسرد قصتها بمرارة “كان عمري آنذاك 20 سنة تعرفت على شاب مغترب جاء للجزائر ليقضي عطلة الصيف، في البداية كان تعارفنا تعارفا عابرا في شاطئ البحر، لقد أغراه جمالي فانجذب إلي بسرعة وأعطاني رقم هاتفه بعدما عبر لي عن إعجابه بي، وقدم نفسه على أنه مغترب بإيطاليا، وهو ما جذبني فعلا حيث راودتني الأحلام بأن الفرصة قد حانت لأعيش حياة الترف بجانب الرجل في الضفة الأخرى، وأساعد عائلتي الفقيرة، وفعلا تقدم لخطبتي وأحضر عائلته لبيتنا البسيط وبعدما تمت خطبتنا كان يدعوني للخروج معه من أجل اقتناء حاجيات العرس، لأنه سيغادر أرض الوطن ويعود إليها بعدما يحدد موعدا لزفافنا، استغل الفرصة ليوقعني في شباكه وينال مني، وبعد ذلك ذهب ولم يعد يرد على اتصالاتي وحتى عائلته لم يظهر لها خبر، فتحولت حياتي لجحيم لا يطاق بعدما وجدت نفسي حاملا منه، فهربت من البيت وشرحت الأمر لإحدى صديقاتي التي أرشدتني لإحدى المختصات في مساعدة النساء المعنفات والمغتصبات بالعاصمة التي ساعدتني باتصالها بأهلي، غير أن صدمتي كانت كبيرة بعدما رفضت عائلتي عودتي إلى البيت، غير أن المختصة ساعدتني في التواصل مع إحدى الجمعيات التي ساعدتني إلى غاية وضع حملي، كما أنها ساعدتني في إيجاد عمل أكفل به نفسي وابنتي التي لا تتحمل خطيئة أمها التي صدّقت أوهام الرجل المغترب الذي رفض العودة والاعتراف بابنته”.

 

بين نظرة اتهام وإشفاق محدود

في محاولة منا لمعرفة نظرة المجتمع لفئة الأمهات العازبات، حاولنا التحدث مع فئات مختلفة من المجتمع، فكانت الأحكام قاسية وغير متقبلة للأمر، واعتبرتها خطيئة كبرى لا يجب التسامح معها لأنها تهدد التماسك الاجتماعي في الجزائر وتُفسد لبنة الأسر الجزائرية.

“عبد الرحمن” أجاب عند سؤالنا له عن رأيه في الموضوع، “الأم العازبة لا يمكن مسامحتها لأن خطأها متعمد، فالفتيات أصبحن يقلدن المسلسلات المكسيكية والتركية من خلال ربطهن لعلاقات غير شرعية مع الغرباء، واعتبر أن الظاهرة تنتشر بشكل ملفت خاصة بين طالبات الجامعة اللواتي يربطن علاقات غرامية مع غرباء، تنتهي في كثير من الأحيان بخطيئة كبرى وحمل غير شرعي تكون نهايته في كثير من الأحيان برمي المولود في القمامة أو المقابر من أجل إخفاء الفضيحة، أو المحافظة عليه والتشرد معه”.

أما “عفاف” فنظرتها تختلف عن نظرة عبد الرحمن، فهي ترى أن الفتيات اللواتي وقعن في الفخ إما برضاهن أو ضحية اغتصاب، ودعت لعدم وضع جميع الضحايا في سلة واحدة، وواصلت قائلة إن الفتيات ضحية الاغتصاب، أنا أشفق عليهن وأدعو المجتمع للنظر إليهن بعين الرحمة والشفقة لأن لا ذنب لهن فيما وقعن فيه”.

أما “صادق” فقد ذهب بعيدا وكان من أكثر الآراء تشددا وقسوة عندما اعتبر أن تخصيص الدولة منحة لهؤلاء يعتبر تشجيعا على الفجور والفساد، كما أكد أن غالبية الفتيات تستحق ما لحق بهن، لأنهن سلمن أنفسهن في الحرام.

 

شائعة جعفري رئيسة المرصد الجزائري للمرأة: “أدعو الجمعيات للعب دورها”

قالت السيدة شائعة جعفري رئيسة “المرصد الجزائري للمرأة”: “المشكلة الحقيقية في قضية الأمهات العازبات والأطفال غير الشرعيين، تكمن في غياب إحصاء دقيق ورسمي لهذه الفئة وذلك يرجع إلى الحالات التي تقع في الخفاء ولا يتم الإعلان عنها، إلى جانب الولادات غير الشرعية التي تتم خارج المؤسسات الصحية، كما أدعو الجمعيات الناشطة في مجال المرأة إلى تحمل مسؤولياتها من خلال التقرب من الأسر خاصة النساء وتوعيتهن بحقوقهن وواجباتهن خاصة في المجال الصحي، والتقرب كذلك من الشباب لنشر التوعية وسط المجتمع قبل حدوث “الخطأّ”، لأن الجميع كان يحمّل المسؤولية في الماضي للمرأة ذات المستوى الدراسي المحدود، ولكن الأمر يختلف اليوم بدليل وقوع العديد من الحالات لطالبات جامعيات جرتهن “لذة الحياة والهروب من المشكلات” إلى اقتراف ما لا تحمد عقباه.

 

القانون لا يعاقب الأم العازبة

يوفر القانون الجديد للأسرة في الجزائر، الحماية للأم والطفل على حد سواء ولا يخالف الشريعة الإسلامية، حسب قراءة المحامية مهدية سعاد مقراني، التي عالجت الكثير من القضايا المتعلقة بالأمهات العازبات وإثبات النسب. وتؤكد مقراني أن القانون لا يعاقب الأم العازبة ولا يتابعها في المحاكم إلا في حال ثبوت أنها ارتكبت جنحة في حق الطفل بإهماله والإساءة إليه. كما تعتبر أن نظرة المجتمع هي أشد عقاب لهذه الحالات التي تخلق مشاكل عديدة سواء فيما يتعلق بالتكفل بالأم أو الطفل بحد ذاته الذي لم يرتكب أي ذنب.

وتشدد المحامية على أن قانون الأسرة الجزائري يضمن للأم العازبة الحق في التكفل بطفلها وحمل اسمها، مع السماح بالإبقاء على اسم الأب مجهولا في حال اختفائه نهائيا وعدم اعترافه بالمولود. كما أن للأم الحق أيضا في تعيين كفيل لابنها في حال ما إذا تعذرت عليها حضانته، في حين يمكن للطفل حمل اسم والده إذا ما اعترف به وأقر بذلك في جلسة مغلقة بالمحكمة، وحذرت المحامية من إهمال الأبناء من قبل الوالدين وما يترتب عليه من انعكاسات سلبية على دراساتهم وعلاجهم، حيث لا يمكن للقضاء في هذا الوضع إنصافهم بسبب غياب الأدلة.

 

الأستاذ في العلوم الشرعية عبد الفتاح أبو زكريا: “يجب التستر على مرتكبي هذه الأخطاء حتى لا تعم الفوضى”

اعتبر الأستاذ عبد الفتاح أبو زكريا أن موضوع الأمهات العازبات يسوده ظلم اجتماعي كبير، حيث لا تراعى فيه الظروف و هنا لا أتحدث عن اللواتي وقعن في المحظور بإرادتهن، حيث هناك الكثير من الأمهات العازبات وقعن ضحية الاغتصاب خاصة في فترة العشرية السوداء، و من خلالكم أدعو إلى التعامل مع مرتكبي هذه الأخطاء بالشكل الذي يتم فيه سترهم ودمجهم في الحياة العادية حتى لا تعم الفوضى، والجدير بالذكر أن الزنا هو من كبائر الذنوب وهو محرم لما له من عواقب خطيرة وآثار سلبية على الفرد والمجتمع والأسرة، ومع ذلك نذكر أن الإسلام دين رحمة وأنه يجب التعامل مع “المخطئين” حسب الظروف لأن هناك صنفا من الأمهات العازبات تم الاعتداء عليهن وتم اغتصابهن كما سبق و أن ذكرت ، و هنا لا بد من التعامل برحمة مع هؤلاء النسوة، حتى لا تحدث فوضى في المجتمع، الذي من المفروض أن يبقى دوره الأساسي هو البحث عن سبل لتزويج تلك الفتيات وسترهن والتكفل بأولادهن بدلا من وضعهن في “المزابل”.