مصادفة مع يوم السياحة, احتفاء بعيد “الكسكس الوهراني”..تاريخ وصناعة في لمسة عصرية

مصادفة مع يوم السياحة, احتفاء بعيد “الكسكس الوهراني”..تاريخ وصناعة في لمسة عصرية

احتفى الحرفيون نهاية الأسبوع الماضي بعيد “الكسكس الوهراني” في أجواء تقليدية مميزة وذلك في إطار التظاهرة الثقافية المنظمة بدار الصناعة التقليدية بحي “الصباح” شرق ولاية وهران بمناسبة اليوم العالمي للسياحة .

وتم بهذه المناسبة المقامة تحت شعار “الكسكس الوهراني …تاريخ و صناعة” تنظيم جلسة تقليدية لتذوق أكلة الكسكس الوهراني الذي تختلف طريقة تحضيره وطهيه ونكهته عن مناطق أخرى من البلاد مع إبراز اللمسة العصرية في تحضير كسكسي صحي لتلبية رغبات المستهلك الذي أصبح يهتم بنوعية الغذاء وجودتها حسب المنظمين .

وفي هذا الصدد تقول مسيرة المؤسسة المختصة في المنتجات الغذائية “لصحتكم ورشاقتكهم” سكينة زدور المنظمة لهذا الحدث “هدفنا من هذه التظاهرة يكمن في التعريف بأكلة الكسكس الوهراني وبخصوصيتها مما يتعين توسيمه محليا والعمل على استحداث دار للكسكس الوهراني من أجل تثمين هذه الأكلة التي تتناولها مختلف شرائح المجتمع”.

وسمحت هذه التظاهرة, المنظمة لأول مرة بعاصمة الغرب الجزائري وحضره جمع من حرفي الصناعة الغذائية ومثقفون, باكتشاف طريقة تحضير الكسكس الوهراني من خلال استعراض لكيفيات “فتل” الكسكس عند الوهرانيين والعادات المرافقة لعملية تحضير هذا الطبق في مختلف المناسبات الاجتماعية و الدينية .

كما كان “عيد الكسكس الوهراني” فرصة لعرض تشكيلة متنوعة من الكسكس المحضر من القمح الكامل وأخرى يستخدم فيه خليط من الحبوب ذات الفوائد العلاجية وكذا المعدات التقليدية المصنوعة بمواد من الطبيعة كالحلفاء والتي تستعمل في تحضير هذا الطبق الشعبي منها “الكسكاس” و”الميدونة” وغيرهما.

كما عرضت جمعية ترقية المرأة الريفية “اليد في اليد” بعض التوابل التي تدخل ضمن مقادير تحضير الكسكس على غرار “الزعفران” المنتوج محليا بمزرعة بالقرب من مسرغين فضلا عن عرض منتجات محلية أخرى تتمثل في الزيوت المستخلصة من نبات التين الهندي.

كما كانت الموسيقى حاضرة في تظاهرة “عيد الكسكس” حيث قدمت فرقة محلية باقة من الأغاني الوهرانية القديمة تحت إشراف الموسيقار حاج محمد وإلقاء قصائد شعرية من نظم الشاعرة بن عباس رميساء .

سيد الأطباق التقليدية الجزائرية

رغم ازدحام المائدة الجزائرية بألوان كثيرة من الأطباق الشعبية والمأكولات الضاربة في التاريخ المحلي، إلاّ أنّ لطبق “الكسكسي” التقليدي العريق مكانة أزلية التي ما فتئ يحتلها هذا الطبق في أذهان ومعدة الجزائريين، لدرجة أصبح يشكل معها اليوم إرثا جمعيا ومورد رزق لكثير من العوائل هناك.

وأينما حللت وارتحلت داخل جنبات الجزائر ودويراتها، تداعبك تسميات من قبيل “سكسو”،”الطعام”، “البربوشة”، “النعمة”، وهي اصطلاحات مختلفة لطبق واحد ومتعدد في الآن نفسه من حيث أشكال تحضير الكسكسي، وطهيه بين هذه المنطقة وتلك من ربوع الجزائر الشاسعة، لكن التقاطع يكمن في ذاك التغليب الدائم لطبق الكسكسي وهو جملة من حبيبات الدقيق المستديرة، هذا الأخير يفضل كثير من الجزائريين، تناوله أيام الجمعة، ونادرا ما يخلو غداء عائلة جزائرية بعد صلاة الجمعة من هذا الطبق المتوارث الذي يطهى في الغالب بمرق اللحم أو الدجاج، مصحوبا بالبطاطا وسائر الخضروات.

المكانة الأولى لموائد الأفراح

ويشترك الجزائريون في منحهم طبق الكسكسي مكانة أولى في موائد أفراحهم وأحزانهم في شتى المناسبات وحتى بدونها، وتقول السيدة فاطمة حمدادو من ولاية تيزي وزو بأنّ طبق سكسو يجب أن يكون حاضرا مرة في الأسبوع على الأقل بحضور جميع أفراد العائلة، وكثيرا ما يوشّح الطبق كما تضيف – حمدادو- بقطع لحم الخروف والقرعة والحميصة واللوبيا القبائلية، وتحترف فاطمة حمدادو إنتاج الكسكسي، ولها طريقة خاصة بها في تحضير كسكسي باللحم أو كسكسي بالخضار، فيما سطع نجم السيدة مجدوب مريم من ولاية أدرار الجنوبية في مجال تحضير الكسكسي بالأعشاب، ما مكنّها من نيل الجائزة الأولى لعيد الكسكسي الموسم الماضي.

تاريخ ضارب في الأعماق

ويعرّف باحثون طبق الكسكسي بكونه أكلة بربرية يعود تاريخها إلى الفترة ما بين 238 إلى 149 قبل الميلاد، ويقول الباحث الأثري عمار نوارة، إنّ هذا الطبق انتشر بامتياز في الجزائر لارتباطه بالطابع الحبوبي الغذائي في منطقة شمال إفريقيا، بينما تبرز الأستاذة ليلى بن عطا الله، أنّ الكسكسي غذاء كامل ومتكامل لجمعه بين الدقيق المفتول والمفور وبين البقول الجافة مثل الحمص والفول في بعض الحالات، وكذا الخضار بأنواعها بغض النظر عن اللحوم، وذلك ما يمنح الطبق توازنا يفيد بمدى إطلاع الأجداد في مجال تحقيق القيمة الغذائية انطلاقا من توظيف المواد الغذائية المتاحة أمامهم، كما استدلت الأستاذة ليلى بن عطا الله ، بتجربة تحضير كسكسي بدون غلوتين لصالح المرضى الذين يعانون مشاكل في الأمعاء الدقيقة، وتفيد الأعشاب البرية والمحلية التي تضاف لمرق الكسكسي ولا سيما في فصل الشتاء، حيث تؤكد السيدة مريم البارعة في إعداد الكسكسي، أنّ الأخير يمكّن المرأة النافس من استعادة قدراتها وعافيتها بسرعة، مثلما تخفف الأعشاب من حدة التوابل المستعملة، فضلا عن تحقيقها لمطلب الذوق والبنة.

 

تناغم مع كافة جهات الوطن

ويتناغم الكسكسي مع طبيعة كل جهة بالجزائر، متأقلما كمرادف بديع لتقاليد كل منطقة وطقوسها الاجتماعية والغذائية، ففي منطقة جيجل الساحلية (400 كلم شرق)، يتم طهي طبق الكسسكي بأصناف من السمك على غرار الميرو والبوتين وكذا السردين، وعادة ما تضفي عليه هذه الأسماك نكهة خاصة تشجع على الانخراط بسرعة في الأكل، أما منطقة ميلة المجاورة، فإنها لا تكاد تذكر إلا مقرونة باسم (المحور) وهو طبق كسكسي بمرق أبيض يوشح بالبيض المسلوق ولحم الخروف وكريات الكفتة، فيما تجنح مناطق أخرى إلى مواكبة الكسكسي بعجائن تقليدية شهيرة مثل  كسكس الشعير والشخشوخة و العيش.

 

ل.ب