يتفق الجميع على أنّ ظاهرة الاختناق المروري تُعد من بين الهواجس اليومية التي يعيشها المواطن الجزائري خلال تنقلاته سواء كان موظفا أم طالبا، حيث تحولت الظاهرة إلى كابوس حقيقي تزحف تدريجيا إلى بقية المدن الداخلية نظرا لإقبال الجزائريين على اقتناء السيارات.
تضيع أعمار الجزائريين في الطريق، حيث لم تعد الطرقات تستوعب عدد المركبات المتزايد يوميا، فبات أصحاب المركبات عرضة للضغط ونوبات القلق والغضب، الأمر الذي يهدد صحتهم بأمراض سميت بـ “أمراض العصر” .
تزايد كبير للمركبات يفاقم الأزمة
يزداد عدد السيارات من سنة إلى أخرى، وعليه بات مستعملو الطرقات يشتكون من تفاقم مشكل زحمة المرور وعدم تجديد شبكة الطرقات ما سبب لهم الكثير من المتاعب يوميا وجعلهم يتأخرون عن عملهم ومواعيدهم في معظم الأحيان، وأول ما تسببه مثل هذه الاختناقات المرورية هو التوتر، فطول فترات الوقوف والانتظار في الطريق، بحيث أن مشوارا يحتاج إلى 15 دقيقة بات يستغرق ساعة أو ساعتين كاملتين، وهذا ما يجعل السائق متوترا، فمن جانب يخشى أن يتأخر عن عمله أو موعده، ومن جانب آخر تبدأ تصرفات المحيطين به تؤثر عليه أيضا مثل الاستعجال والقيادة بشكل متهور، فهم أيضا تجدهم يعانون من توتر ينعكس على السلوكيات ويؤدي عند البعض إلى قيادة متهورة اعتقادا منهم بإمكانية الهروب من الاختناقات، فيما يُسبّبون في الحقيقة مشاكل مضاعفة وكبيرة، لذلك يمكن القول إن لهذه الظاهرة عواقب نفسية وصحية، حيث يصبح السائق متوترا وهذا ما يقلل من تركيزه كما يضاعف من فرص وقوع الحوادث وخاصة مع وجود صفة السرعة عند البعض..
نقاط سوداء تحظى العاصمة بأغلبها
تشير إحصائيات المديرية العامة للأمن الوطني إلى وجود 7461 نقطة سوداء على المستوى الوطني، منها 7333 نقطة مرتبطة بحوادث المرور! و”تحظى” ولاية الجزائر بحصة الأسد من النقاط السوداء بـ 718 نقطة.
ويرجع المهتمون أسباب الزحمة المسجلة على مستوى مختلف طرقات الوطن إلى توسع الحظيرة الوطنية للمركبات من مختلف أحجامها، والتمركز السكاني في المدن الكبرى وندرة المواقف التي يمكنها استيعاب العدد الكبير من المركبات، كون الموجودة لا تلبي الطلب، إلى جانب نفور الجزائريين من النقل الجماعي بسبب سوء تنظيمه علاوة على النسيج العمراني غير الملائم وشبكات الطرقات المهترئة، كلها أسباب تؤدي إلى الزحمة.
وهذه الإشكالية مطروحة في غرب العاصمة، حيث تغيب وسائل النقل الحضري العمومي على غرار القطار والميترو.
العاصمة الأكثر تضررا من الزّحمة
تعرف حركة المرور بالجزائر العاصمة ازدحاما فظيعا، فبحسب إحصائيات توجد بالعاصمة 475 مقر هيئة عمومية و13 دائرة إدارية و5 مناطق صناعية و165 مركبا فندقيا، علاوة على مواقع تاريخية و5 مستشفيات و12 مؤسسة استشفائية متخصصة و8274 مصحة خاصة.
وبحسب إحصائيات المديرية العامة للأمن الوطني، توجد بالعاصمة 718 نقطة سوداء منها 427 نقطة تحدث بها حوادث مرور، وتم حل 249 نقطة وإزالة 49 نقطة.
وعن سؤال حول السدود التي تقوم بها مصالح الأمن في الطرقات السريعة والطرق الجانبية ومدى مساهمتها في تعطيل حركة المرور، قال رابح زواوي رئيس مكتب الاتصال بمديرية الأمن العمومي “بالعكس، هناك تعطيل جزئي لأربع دقائق لكن الإشكالية في غلق الطرقات الجانبية التي تسبب الزحمة”.
الاختناق المروري يسبب الكثير من الأمراض النفسية
تعتبر السياقة في أوقات الازدحام من مسببات المشاكل النفسية والعصبية الكبيرة، و يقول المختصون إن للإزدحام المروري تأثير كبير على سلوك السائقين والحالة النفسية بالطريق، فالسائق، الذي يقضي ساعات طويلة وسط الازدحام المروري وتحت تأثير التفكير بالوقت المهدر يجعله يشعر بالانفعال والغضب والضيق وكذا التوتر العصبي، فيحتاج بذلك إلى فترة لا تقل عن الساعة من أجل الاسترخاء وإعادة ضبط أعصابه، و مما لاشك فيه أن الازدحام المروري سبب رئيسي للانفعال أثناء القيادة، وخاصة في أوقات الذروة، وأثناء توجه الموظفين إلى أعمالهم والطلاب إلى جامعاتهم، حيث تدفع هذه الأمور إلى التوتر والعصبية وفقدان التركيز، وبالتالي سيكون ذلك سببا في تعرضه لحوادث المرور، ويدعو المختصون في هذا الشأن إلى التوعية المستمرة وخاصة من خلال البرامج الإذاعية لكي يستمع السائقون إليها أثناء القيادة.
… ومشاكل صحية بالجسد
من جهتهم، يرى الأطباء أن الازدحام المروري، يسبب أمراضا جسدية عديدة، على غرار إرهاق العضلات وحدوث اعوجاج وآلام على مستوى الظهر، وذلك لأن العديد من السائقين يقودون سياراتهم ومركباتهم لساعات طويلة وسط الازدحام المروري، من دون أن يعرفوا الوضعية الصحيحة في الجلوس، كالتركيز على الطريق والانحناء بالظهر إلى الأمام، مما يؤدي إلى تشنج عضلات الظهر، ويتفاقم الوضع عند السائقين الذين لا يمارسون الرياضة التي تعتبر شرطا أساسيا للصحة الجيدة، وأهمها المشي وتمرينات الظهر.
الحلول التي تقترحها مصالح الأمن
ومن الحلول المقترحة من طرف مصالح الأمن هي استحداث لجان وطنية تسهر على تطوير وتحسين ضوابط السيرورة المرورية من خلال إشراك باقي القطاعات وإشراكها في الحل بعيدا عن الحل الأمني، كقطاع الأشغال العمومية والنقل والعمران والبيئة بحيث يتم بلورة حلول تكون دائمة.
وإلزامية التنسيق بين ثلاثية النسيج العمراني وشبكات الطرقات والكثافة السكانية، بحيث يتم اقتراح حلول بعيدة المدى تأخذ بعين الاعتبار شق طرقات جديدة وإنجاز ممرات أو توسيع الطريق وتنظيم حركة الوزن الثقيل، بضبط توقيت الشحن أو التفريغ والاعتماد على التكنولوجيات الحديثة على غرار الكاميرات الذكية والرادارات والقارئ الذكي للوحة الترقيم.
وكذا تعميم وتوسيع النقل الحضري لتقليل الضغط على شبكة الطرقات، وهي الترامواي والنقل بالحافلات كإيتوزا والقطار والميترو والنقل بالهوائيات.
إضافة لاستحدث حظائر كبرى على مداخل المدن الكبرى وربطها بوسائل النقل الجماعي، وكمثال على ذلك مشروع جامع الجزائر الذي يحتوي على حظيرة كبيرة تستوعب 1800 سيارة.
كما يجب دعم برامج التكوين المتخصص لفائدة السواق لتقديم خدمة عمومية جذابة، خاصة في النقل العمومي، من خلال الهندام واحترام التوقيت وغيرهما.
ودعم المدن بالمنشآت بتدعيم البنى التحتية كالجسور والأنفاق لتجنب الزحمة، وكذا الطرق الاجتنابية حول المدن الكبرى لتجنب دخول المدن. والاستعمال العقلاني للمركبات، أي استعمالها للضرورة واستعمال النقل العمومي كالترامواي والميترو.
كما يجب التنسيق بين مخططات النقل كالمحطات والحافلات وخطوط النقل، بحيث يتم دراسة كل هذه المعطيات لتحرير الطريق ومخططات المرور، وهي من اختصاص مصالح الأمن بحيث يتم دراسة وضع السدود ونقاط المراقبة.
علاوة على تكثيف الوجود الأمني في النقاط السوداء التي يبلغ عددها 7461 نقطة، والاستعانة بالمراقبة الجوية والسهر على الانسيابية واستحداث فرق أمن الطرق لمواجهة عدم احترام قانون المرور في الطرق السريعة، خارج نقاط المراقبة.
شيعلي يؤكد القضاء قريبا على مشكل الإزدحام المروري
قال وزير الأشغال العمومية فاروق شعيلي أنه سيتم “قريبا” القضاء على مشكل الكثافة المرورية بولاية الجزائر، بفضل إنجاز عدة مشاريع كبرى ستعمل على تسهيل الحركة المرورية بالعاصمة، في الوقت الذي أرجع فيه وزير الأشغال العمومية، التأخر في انجاز المشاريع المتعلقة بإعادة تأهيل بعض الطرقات أو تحويلها إلى طرق مزدوجة لعدة أسباب، تأتي في مقدمتها ورشات المشاريع السكنية الكبرى بالعاصمة.
وقال الوزير إن الإجراءات المتخذة لنزع الملكية للمنفعة العامة، وكذا عدم كفاية الغلاف المالي المخصص لبعض المشاريع بسبب الضائقة المالية التي تمر بها البلاد، تعد أيضا من بين الأسباب التي أدت إلى تعطل مشاريع إعادة تأهيل الطرقات.
وأعطى في هذا الصدد مثالا عن مشروع الطريق الجديد الرابط بين بئر خادم وخرايسية والدويرة وزرالدة، الذي بلغت نسبة أشغاله 45 بالمئة، حيث تعطل بسبب إجراءات نزع الملكية.
لمياء. ب