سعيود يكشف عن خطة شاملة لتحديث المنظومات البرية.. البحرية والجوية

مشاريع كبرى تعيد رسم خريطة النقل في الجزائر

مشاريع كبرى تعيد رسم خريطة النقل في الجزائر
  • تأهيل محطات النقل وتجديد الحظيرة الوطنية.. نحو خدمة عمومية بمعايير جديدة

  • إصلاحات في الموانئ والمطارات تعيد الكفاءة وتحدّ من كلفة التأخير

في سياق مناقشة مشروع الميزانية القطاعية لوزارة الداخلية والجماعات المحلية والنقل ضمن قانون المالية لسنة 2026، قدّم الوزير السعيد سعيود، عرضا شاملا لمسار الإصلاحات التي تشهدها قطاعات النقل، الأمن، والتنمية المحلية، كاشفا عن توجهات استراتيجية تمس البنية التحتية والمرافق العمومية والحظيرة الوطنية للنقل.

تصريحات الوزير، التي جاءت أمام نواب لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، عكست رؤية شمولية لإعادة هيكلة المنظومة الخدمية عبر تحديث محطات النقل البري، وتخفيف الاختناق المروري في المدن الكبرى، وإصلاح المنظومتين الجوية والبحرية، إلى جانب تعزيز القدرات الأمنية ودعم التنمية المحلية وفق مقاربة تشاركية تراعي خصوصيات كل منطقة. الوزير كشف عن إدراج مشاريع لإعادة تأهيل عدد كبير من محطات النقل البري وفق المعايير التقنية الضرورية، بعد تسجيل عدة اختلالات. وتشير معطيات وزارة الداخلية، إلى أن الجزائر تتوفر على ما يفوق 200 محطة نقل بري موزعة عبر ولايات الوطن، إلا أن نسبة معتبرة منها تعاني من اهتراء البنية التحتية وضعف الخدمات، خصوصا في المدن الكبرى التي تشهد كثافة سكانية مرتفعة. ويأتي مشروع إعادة التأهيل، كجزء من رؤية وطنية تهدف إلى تحديث هذه المحطات وتزويدها بأنظمة رقمية لإدارة الرحلات والمراقبة، بما يضمن راحة المسافرين وسلامة المركبات، ويُعيد الثقة في النقل العمومي كخدمة أساسية. وتندرج هذه العملية ضمن برنامج استثماري يمتد على ثلاث سنوات، يركّز على تحسين المرافق التقنية، وتوسيع المساحات المخصصة للمسافرين، وتوفير فضاءات تجارية وخدماتية داخل المحطات. كما يُنتظر أن يخلق هذا البرنامج مئات مناصب الشغل الجديدة في مجالات الصيانة والإدارة والخدمات اللوجستية. ومن شأن نجاح هذا المشروع أن يساهم في تقليص الضغط على المحاور الحضرية الكبرى، ويدعم التحول نحو منظومة نقل وطنية أكثر كفاءة واستدامة. وموازاة مع جهود تأهيل محطات النقل البري، يبرز توجه آخر لا يقل أهمية في سياسة الوزارة، يتعلق بتسهيل حركة المواطنين عبر المدن الكبرى، لاسيما العاصمة، التي تواجه منذ سنوات تحديات مرورية خانقة.

 

الاختناق المروري في المدن الكبرى.. النقل العمومي كحل استراتيجي

وأكد سعيود “تنفيذ مشاريع ميدانية تهدف إلى التخفيف من حدة الاختناق المروري عبر المدن الكبرى، خاصة العاصمة، من خلال تطوير شبكة النقل العمومي وتشجيع المواطنين على استعمالها”. وتعكس هذه الخطوة توجها حكوميا واضحا نحو تحويل النقل العمومي إلى بديل حقيقي للسيارات الخاصة، إذ تُظهر الإحصاءات أن الجزائر العاصمة وحدها تضم أكثر من 1.5 مليون مركبة تتحرك يوميا داخل شبكة طرق محدودة الاستيعاب. وتعمل الوزارة حاليا على إعادة تنظيم خطوط النقل بين الضواحي والمراكز الحضرية، بالتوازي مع إطلاق مشاريع جسور وأنفاق جديدة لزيادة انسيابية الحركة. وفي هذا الإطار، يُنتظر أن يُسهم تحسين خدمات النقل العمومي في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتعزيز مفهوم المدن الذكية المستدامة. وتشير معطيات ميدانية إلى أن العاصمة الجزائرية وحدها تحتاج إلى حوالي 2000 حافلة إضافية لتغطية الطلب اليومي، ما يجعل البرامج الحالية لتجديد الأسطول خطوة أساسية نحو تخفيف الضغط الحضري وتحسين جودة الحياة في المناطق الحضرية المكتظة. وإذا كان تطوير شبكة النقل العمومي يمثل أحد الحلول الاستراتيجية لتخفيف الضغط داخل المدن، فإن تجديد الحظيرة الوطنية للنقل يعدّ الركيزة الأساسية لإنجاح هذه المقاربة وتحديث المنظومة ككل.

 

تجديد الحظيرة الوطنية.. 10 آلاف حافلة لتقوية النقل الحضري

وأوضح الوزير، أن “الوزارة تعمل على معالجة النقائص المسجلة في النقل البري والحضري، خصوصا ما يتعلق بخطوط الربط نحو الأحياء الجديدة، مشيرا إلى أن قرار رئيس الجمهورية القاضي باستيراد 10 آلاف حافلة سيساهم في تجديد الحظيرة الوطنية وتعزيز قدراتها”. ويمثل قرار استيراد 10 آلاف حافلة جديدة خطوة مركزية في مسار تحديث النقل الحضري، إذ جاء بعد تقييم وطني كشف أن أكثر من 70 بالمائة من الحافلات الحالية وُصفت بالمهترئة، مع صدور قرارات بسحب 5,400 حافلة يفوق عمرها 30 سنة، وبدء برنامج لتجديد تدريجي يشمل 28 ألف حافلة أقدم من 20 سنة. وتستهدف هذه العملية إعادة التوازن لمنظومة النقل الحضري وتحسين الربط بين الأحياء الجديدة والمراكز السكنية القديمة، لاسيما في المدن الكبرى التي تشهد توسعا عمرانيا سريعا مثل الجزائر العاصمة ووهران وقسنطينة. كما تندرج العملية، ضمن سياسة وطنية أوسع لتجديد وسائل النقل وتدعيمها بمركبات عصرية مزودة بأنظمة تتبع رقمية ومواصفات أمان متطورة. ومن المنتظر أن تتيح هذه الديناميكية خلق مناصب شغل جديدة في مجالات الصيانة والتسيير والخدمات، إلى جانب تحسين نوعية الخدمة وتقليص الاعتماد على السيارات الخاصة داخل المدن. وتؤكد المؤشرات الأولية أن هذا القرار سيسهم في رفع كفاءة النقل العمومي وتحقيق تحول نوعي في نمط تنقل المواطنين نحو حلول جماعية أكثر استدامة وفعالية. وبينما تتقدم جهود تحديث النقل البري بوتيرة متسارعة، تمتد الإصلاحات إلى فضاء أوسع يشمل النقل الجوي والبحري، حيث تسعى الحكومة إلى إعادة هيكلة هذا القطاع الحيوي الذي يمثل واجهة الجزائر الاقتصادية والتجارية مع العالم.

 

إصلاح المنظومتين الجوية والبحرية.. من سوء التسيير إلى كفاءة التشغيل

وأضاف الوزير، أن “قطاع النقل يشهد إصلاحات عميقة تشمل المنظومتين الجوية والبحرية بهدف القضاء على مظاهر سوء التسيير التي كانت تكلف الدولة خسائر مالية كبيرة، موضحا أن النتائج الإيجابية بدأت تظهر من خلال تحسن وتيرة عمل الموانئ على مدار الساعة، وتقليص غرامات تأخير البواخر، واسترجاع بواخر نقل البضائع المحجوزة، فضلا عن رقمنة خدمات الخطوط الجوية الجزائرية”. وتشير التقديرات الرسمية إلى أن الجزائر كانت تخسر سنويا ملايين دولارات بسبب غرامات تأخير البواخر وتكدس الحاويات بالموانئ، نتيجة اختلالات في التسيير وسوء التنسيق بين مختلف الهيئات المينائية. وقد بدأت الإصلاحات الأخيرة تؤتي ثمارها مع تشغيل الموانئ على مدار الساعة، واسترجاع عدة بواخر جزائرية كانت محجوزة في الخارج، ما يعزز السيادة اللوجستية للبلاد ويقلص الاعتماد على شركات النقل الأجنبية. أما في مجال النقل الجوي، فقد شرعت الخطوط الجوية الجزائرية في تعزيز رقمنة خدماتها، بما في ذلك بيع التذاكر وإدارة الرحلات وخدمة الزبائن، إضافة إلى إطلاق برامج لإعادة هيكلة تسيير الموارد البشرية وتحسين صيانة الأسطول. وتندرج هذه الإجراءات ضمن خطة وطنية لإعادة تصنيف المؤسسات العمومية الاستراتيجية وفق معايير النجاعة والشفافية، مما يعيد الثقة في مؤسسات النقل الوطنية ويعزز تنافسيتها إقليميا ودوليا. وفي موازاة المسار الاقتصادي والإداري للإصلاحات، لم يغفل الوزير البعد الأمني والإنساني الذي يشكّل أساس استقرار الدولة وطمأنينة المواطن، مؤكّدا أن حماية الأرواح والممتلكات تبقى جوهر مهام وزارة الداخلية وأجهزتها المختلفة.

 

تعزيز القدرات الأمنية.. ومقاربة ردعية لمكافحة العنف المجتمعي

وفي هذا الصدد “وجّه الوزير تحية تقدير للأسلاك الأمنية وعلى رأسها الجيش الوطني الشعبي، مثمنًا جهود الحماية المدنية في إنقاذ الأرواح، ومؤكدا أن الوزارة تعمل على تعزيز القدرات البشرية والعملياتية لهذه الأسلاك لمواكبة التحديات الأمنية، إلى جانب دعم المقاربة الردعية لمكافحة العنف المجتمعي”. وتندرج هذه التصريحات في سياق وطني يولي أهمية قصوى لتعزيز الأمن الداخلي في ظل التحولات الاجتماعية المتسارعة. وتشير بيانات رسمية إلى أن وزارة الداخلية عززت خلال السنوات الأخيرة عدد وحدات الحماية المدنية لتغطية جميع الولايات، مع توظيف أعوان جدد وتجهيزهم بوسائل تدخل حديثة. كما شهدت منظومة الأمن العمومي إدماج أنظمة مراقبة ذكية في المداخل الحضرية والطرقات الكبرى، مما ساهم في خفض معدل الجريمة. وتندرج المقاربة الردعية ضد العنف المجتمعي ضمن رؤية شاملة تُشرك مختلف الفاعلين من مؤسسات تربوية ودينية وإعلامية لترسيخ ثقافة المواطنة. وقد أطلقت الوزارة برامج توعوية واسعة في المدارس والأحياء تهدف إلى تعزيز السلوك المدني والاحترام المتبادل، إلى جانب دعم التنسيق بين الأجهزة الأمنية والجماعات المحلية لمواجهة ظواهر مثل العنف في الملاعب والتخريب الحضري. بذلك، يتحول الأمن من مهمة قطاعية إلى منظومة تشاركية متكاملة تُعيد للمجتمع توازنه وتكرّس قيم الانضباط والمسؤولية. وإلى جانب الإصلاحات الأمنية والتنظيمية، شدّد الوزير على أن نجاح أي سياسة عمومية يبقى مرتبطًا بقدرة الدولة على تحقيق تنمية محلية متوازنة ومستدامة، تقوم على التسيير الرشيد للموارد المالية ومتابعة دقيقة للمشاريع على أرض الواقع.

 

تنمية محلية مستدامة.. والضريبة على السكن كأداة تمويل حضري

و”شدد على ضرورة مرافقة الموارد المالية المخصصة للمشاريع التنموية بإتقان في الإنجاز واحترام المعايير لضمان استدامتها، مع إمكانية تكييف البرامج وفق خصوصيات واحتياجات كل منطقة، مبرزا أهمية الضريبة على السكن في دعم التأهيل الحضري وترميم المباني القديمة، باعتبارها مصدرا أساسيا لتمويل الجماعات المحلية”. وتضع وزارة الداخلية في صميم استراتيجيتها مبدأ الحوكمة المحلية الرشيدة، الذي يقوم على ربط التمويل بحسن الإنجاز، وضمان أن تكون المشاريع التنموية متكيفة مع واقع كل منطقة. فالرهان لم يعد في إطلاق المشاريع فحسب، بل في إنجازها بجودة عالية تضمن استمراريتها وتحقيق أثرها على المدى الطويل. وتندرج هذه الرؤية ضمن مقاربة جديدة تضع الجماعات المحلية في قلب القرار التنموي، من خلال منحها مرونة أكبر في تسيير البرامج وفق أولوياتها الميدانية. أما الضريبة على السكن، فتبرز كأداة مالية واعدة لدعم جهود التأهيل الحضري وترميم النسيج العمراني القديم. فهي تمثل شكلا من أشكال التمويل الذاتي للجماعات المحلية، بما يخفف الضغط عن ميزانية الدولة المركزية ويفتح المجال لتعبئة موارد جديدة تُوجَّه نحو تحسين المرافق العامة وتطوير البنى التحتية. وتُعد هذه المقاربة خطوة نحو تحقيق توازن بين التنمية المستدامة والعدالة المجالية، بحيث تستفيد كل منطقة من مواردها في إطار رؤية وطنية شاملة لتأهيل المدن والبلديات وتحسين جودة الحياة للمواطنين.