مساعٍ لجعل ولاية جيجل رائدة في زراعة أشجار الزيتون

مساعٍ لجعل ولاية جيجل رائدة في زراعة أشجار الزيتون

تعتبر ولاية جيجل من الولايات الفلاحية بامتياز، خاصة أنها تُعرف بإنتاجها المتنوع في أغلب الشعب الفلاحية، ومنها الخضروات بمختلف أنواعها، الأعلاف، الأشجار المثمرة، الحمضيات، الحبوب، البقول الجافة، الزراعة الصناعية كالطماطم، وبدرجة مميزة شعبة الزيتون. وعن هذا النوع، أشارت مصالح الفلاحة بالولاية إلى أن المساحة الإجمالية المستغلة في زراعة الزيتون قد بلغت خلال هذا الموسم 21031 هكتارا، منها 18281 هكتارا منتجة، أما البقية فهي أشجار مغروسة حديثا، ما زالت لم تدخل مرحلة الإنتاج، أو أشجار مستها حرائق الغابات حديثا، وتحتاج إلى سنتين أو ثلاث للعودة إلى الإنتاج.

 

شعبة الزيتون في ولاية جيجل في موسم 2019-2020

انطلق موسم جني الزيتون على مستوى ولاية جيجل مع أواخر شهر أكتوبر الماضي، لكن عمليات الطحن وانطلاق نشاط معاصر الزيتون كان مع بداية شهر نوفمبر 2020، وقد أكدت مصالح الفلاحة أن المساحة المجنية إلى غاية نهاية شهر ديسمبر من السنة الماضية 2020، قد بلغت 18073 هكتارا، أنتجت 254631 قنطار زيتون، وبمردود 14 قنطارا للهكتار الواحد، وهو مردود متواضع إذا ما قورن بالسنة التي سبقتها، وهذا راجع بالأساس إلى تكاثر ذبابة الزيتون بشكل كبير خلال الموسم، إضافة إلى الظروف المناخية غير الملائمة، ونقص التحكم التقني لدى أصحاب مزارع الزيتون، حيث لوحظ انعدام لجوئهم إلى المعالجة الكيماوية، التقليم السنوي، الري والتسميد، وهي عمليات من شأنها تحسين المردود، والحفاظ عليه في مستويات عالية من موسم إلى آخر، أما عن إنتاج زيت الزيتون فقد بلغ 4068400 لتر أي بمردود 16 لترا في القنطار.

 

“السطارة” يمكن أن تصبح قطبا لتطوير إنتاج الزيتون

تنشط على مستوى ولاية جيجل 161 مطحنة زيتون، منها 73 حديثة، و88 تقليدية، وبالنظر إلى حاجيات الولاية من زيت الزيتون، فإن هذا العدد من المطاحن يسمح بتغطية احتياجات الولاية من قدرات التحويل، بل ويدفع أصحاب المطاحن إلى جلب منتوج الزيتون من الولايات الأخرى لتحويله.

وبحكم خصوصية الولاية في مجال زراعة الزيتون، والتي تزيد مساحتها عن 21 ألف هكتار، أي ما يعادل 45 بالمائة من المساحة الفلاحية الصالحة للزراعة، يمكن إنشاء قطب لتطوير إنتاج الزيتون بشرط تحديث التقنيات المستعملة، والعناية اللازمة من سقي، تسميد، زبر وتحسين طرق الجني، وكذا التجميع والتخزين.

كما لا بد من الاشارة إلى أن عدد المطاحن بالولاية كافٍ لتغطية احتياجات الولاية، وجزء من احتياجات الولايات المجاورة، وهو ما تم تأكيده في حصيلة نشاطات الولاية لسنة 2019.

 

معاصر دائرة السطارة تنتج زيتا طبيعيا خالصا

بلغت المساحة الإجمالية المجنية على مستوى دائرة السطارة 1970 هكتارا خلال هذه السنة 2020، أي بنسبة 10.90 من المساحة الإجمالية المجنية للولاية، حيث سجل وجود 28 معصرة، منها 17 ببلدية غبالة، جميعها تقليدية وحيز الخدمة، و11 معصرة ببلدية السطارة، 09 منها حيز الخدمة، اثنتان منها حديثة، ومعصرتان لا تشتغلان.

وعلى حد قول المختصين في هذا المجال، فإن دائرة السطارة تنتج ما يسمى بالزيت البكر، أي الطبيعي الصافي _مائة بالمائة_، وقد سجل خلال هذا الموسم مردود وصل إلى 18 لترا في القنطار، رغم أن الإنتاج نقص خلال _2020_ مقارنة بالسنوات الفارطة، ويعود سبب ذلك إلى تقنيات الجني السلبية، بداية بطريقة النفض، ثم تسجيل حرائق سجلت على مستوى عدة مناطق وأهمها بمنطقة القيطون، وقد علم أن المصالح الفلاحية بالسطارة، وفي إطار برامج التنمية الريفية، قد قامت بمنح حوالي أكثر من 04 آلاف شجرة زيتون، ببلديتي الدائرة.

عن نوعية الزيت في المنطقة قيل إنه من نوعية خاصة، بالمقارنة مع المناطق الأخرى في الولاية، ويتحكم في ذلك ارتفاع الدائرة على مستوى سطح البحر، وكذا لجنيه بالطريقة التقليدية، وعدم اللجوء إلى استعمال الأسمدة، وهو ما يجعله طبيعيا خالصا.

 

التقاء العائلات في حقول الزيتون فرصة للتقارب والترفيه

ما زالت طرق جمع وجني الزيتون بمناطق ولاية جيجل المختلفة، تثير الانتباه في غالب الأحيان، أين تكون فرصة لجمع العائلات في الحقول، وتحت ظل أشجار الزيتون، فتجتمع العائلات، ويحضر الأطفال أحيانا في فترات الجو المعتدل، وهو ما يجعل العملية فرصة للقاء وللتقارب في بعض الأحيان، وحتى للترفيه، وهناك من عبر لنا عن عملية جني الزيتون والتقاء العائلات أثناء تناول وجبة الغذاء بعد فترة صباحية متعبة من العمل، فيجتمع الشمل في أجواء يطبعها المرح، وحتى الترفيه، وهو ما سجلناه على مستوى عدة مناطق من البلديتين، خاصة في الحقول الخاصة بالعائلات.

لكننا سجلنا أيضا غياب ظاهرة “التويزة”، باعتبارها كانت من تقاليد العائلات التي تتعاون فيما بينها، لكنها وحسب البعض فإنها ما زالت في بعض البلديات والمناطق الجبلية من ولاية جيجل، والتي يسمونها بأسماء أخرى، لكن التعاون يبقى الهدف الوحيد منها.

 

جولة مع فلاح

كانت جولتنا مع أحد الفلاحين الشباب في المنطقة الشرقية لولاية جيجل، الذي تعلق قلبه بالأرض وخيراتها، ويبحث في تطوير زراعة أشجار الزيتون، ويريد المساهمة بشكل مباشر في رفع إنتاج هذه الشعبة الفلاحية وتطويرها، فوقفنا على طموحاته، وهو يبحث عن كيفية تنمية استثماراته ومحاولاته لتسويق منتوجه من زيت الزيتون حتى إلى خارج الوطن، وهو ما أكده لنا خلال الجولة التي قادتنا إلى أهم محطات نشاطه الفلاحي، بداية بمعصرة الزيتون المتواجدة على مستوى دشرة بني دواس بتايروا، والتي بدأت العمل حسبه في سنة 1980، أي منذ أكثر من 40 سنة، وهي معصرة تقليدية تعمل بـ “القرقابة_، أي الحجرة، التي جلبت آنذاك من مدينة أقبو بولاية بجاية، والتي تعود في صناعتها إلى القرن ما قبل الماضي.

 

أشجار الزيتون بالمنطقة قديمة ومنها ما يعود للفترة الرومانية

يمتاز إنتاج منطقة السطارة بجودة عالية من زيت الزيتون، خاصة وأنها تتواجد بها أشجار يمكن أن تعود إلى عصر الرومان، والأكيد أنها وجدت من قبل الاستعمار الفرنسي للجزائر، وهي أشجار كبيرة الحجم، يبدو عليها الوقار والهيبة وتجذرها في التاريخ، فنسجل تواجد هذه الأشجار في منطقة القصر، التي تعتبر منطقة تاريخية بأتم معنى الكلمة إلى جانب منطقة دار الواد بتايراو كذلك.

قال: حدثنا كبار السن عن القبائل التي قامت بغرس هذه الأشجار، وهي قبائل تسمى _لغرابة_، من صفاتهم أنهم يستوطنون في أي منطقة لمدة زمنية ما، ويقومون خلال تلك الفترة بغرس مختلف الأشجار، ومنها أشجار الزيتون، وبعد مدة يرحلون لتبقى هذه الأشجار التي يسمى معظمها _العالي_ بين أيادٍ أخرى، وأناس آخرين، خاصة وأن نوع هذا الأشجار يتلاءم مع طبيعة المنطقة، أي مع نوعية التربة، وهي تربة صخرية.

شموخ أشجار الزيتون يعانق شموخ جبال المنطقة الثائرة

داخل معصرتنا نقوم بطحن الزيتون بطريقة تقليدية، ليكون هذا الزيت من أنواع الزيوت المنتجة في المنطقة في ظل توفر معاصر حديثة، وأننا على مستوى المعصرة نعمل على طريقة جني الزيتون بسرعة، وعصره أيضا بسرعة، وهو سر جودة منتوجنا، فالزيت الذي ننتجه طبيعي خالص.

انتقلنا مع هذا الفلاح الشاب إلى حقله الممتد على مسافة 04 هكتارات، المتواجد في مناطق جبلية، فازداد إعجابنا من جهة بالمساحات المغروسة بأشجار الزيتون، ومن جهة أخرى بتواجدنا وسط جبال هذه المنطقة، فقد توغلنا بحديثه في عبق تاريخ الثورة التحريرية المباركة، أين كانت هذه المنطقة واحدة من القلاع التي أرعبت الاستعمار الفرنسي، والتي ما زالت لحد الآن راسخة في ذاكرة أبناء المنطقة، الذين عايشوا ثورة التحرير، خاصة أنها تحتفظ باجتماع قادة الثورة في هذه المنطقة، الذين قرروا خلاله تحديد موعد عقد مؤتمر الصومام، فما زالت هذه الجبال تحتفظ بكل تفاصيل الثورة، وما زالت تعانق ذاكرة سكانها، فنجد أن هذه الأشجار تعانق بل تحتفظ بشموخ هذه الجبال.

أخبرنا السيد حكيم أنه قام بغرس أشجار الزيتون على مساحة 04 هكتارات، في إطار برنامج التنمية الريفية المسطر من طرف المصالح الفلاحية بالولاية، أين استفاد من 400 شجيرة في إطار الدعم الفلاحي، إضافة إلى قيامه بغرس 400 شجيرة أخرى بإمكاناته الخاصة، وأشار إلى أنه يعتمد في سقي هذه الشجيرات على طريقة السقي بالتقطير، لأنها حسب رأيه الطريقة المثلى للسقي، وسر تحسين إنتاج الزيتون، وسر الحصول على منتوج عال من الزيت، وناقص من الحموضة.

كما أشار إلى أن إنتاج زيت الزيتون تتحكم فيه عدة ظروف، منها الطبيعية، وهي الخارجة عن نطاق الفلاح، وتؤدي إلى تذبذب الإنتاج بين سنة وأخرى، حيث يصل متوسط إنتاجنا إلى 05 آلاف لتر في السنة.

 

قمت باستصلاح 04 هكتارات منذ 2014 وما زلت لم أتحصل على عقد الامتياز

لحد الآن ومنذ سنة 2014 من تقديمي ملفا للحصول على عقد الامتياز، كغيري من الفلاحين، ورغم أنني استصلحت أربعة 04 هكتارات من الغابة، فإنني لغاية اليوم لم أتحصل عليه، وهو ما يعيقني في تطوير نشاطي في هذه الشعبة، وهي شعبة الزيتون، ويتواجد حقل هذا الفلاح الشاب في منطقة تايراو، وغير بعيد عن معصرته، لكنه يواجه حسب ما أشار عدة عراقيل، أهمها مشكلة تسويق المنتوج، نظرا لعزلة المنطقة، وخاصة في مكان تواجد المعصرة، وهو ما أرغمني ــ كما يؤكد ــ على إنشاء نقطة بيع على مستوى مقر مركز البلدية بالسطارة.

 

اقترح تدخل الدولة وإنشاء آلية لمساعدتنا على تسويق المنتوج

عن مشكلة التسويق يقول: نطلب تدخل الدولة في هذا المجال، لمساعدتنا في تسويق منتوجنا، باعتبار أن المعصرة كغيرها من المعاصر متواجدة في منطقة أو ولاية معروفة بإنتاجها الكبير في زيت الزيتون، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى كساد المنتوج على مستوى المعاصر، وهنا ــ كما يقول ــ نتساءل عن عدم انخراط الدولة في هذه العملية بشراء زيت الزيتون، كما هو الحال مع بعض الشعب الفلاحية، كشعبة الحبوب، هذا رغم أن زيت الزيتون يعتبر كمنتوج استراتيجي وهام بالنسبة للاقتصاد الوطني، وبالنسبة للتغذية لدى عامة الجزائريين.

 

تطوير هذه الشعبة _الزيتون_ باعتبارها منتوجا استراتيجيا

من نظر السيد حكيم مفتاح أن تطوير شعبة الزيتون يبدأ بتطوير الفلاحين، أي الفرد، وهذا بتحسين مستوى الفلاح عن طريق التكوين في مجاله، إضافة إلى ضرورة دعم مصالح الدولة المختصة للفلاحين، سواء كان ذلك ماديا أو من حيث التوجيه، حيث أنني أتساءل ــ كما يقول ــ عن غياب برامج خاصة بأشجار الزيتون القديمة، للتعريف بطرق تقليمها، وحفر الخنادق للحفاظ على الماء الذي تمتصه.

كما لا بد من الإشارة إلى ضرورة تدعيم الدولة للفلاحين في مجال الأسمدة الخاصة بأشجار الزيتون، لأن شجرة الزيتون كالمرأة الولود التي تحتاج إلى رعاية وعناية خاصة قبل وبعد الولادة، فبعد جني الزيتون تكون الشجرة في أمس الحاجة للعناية، بتوفير الأسمدة، التقليم، السقي، وخاصة أثناء فصل الصيف.

ماذا تقول عن منطقة السطارة من حيث غناها بأشجار الزيتون

دائرة السطارة منطقة غنية جدا بأشجار الزيتون، وتعتبر حسب الإحصائيات الدائرة رقم واحد، بحيازتها لأعداد كبيرة من أشجار الزيتون، بدليل أن الأغلبية الساحقة من العائلات لديها حقول أشجار الزيتون، وتنتج الزيت بنفسها لنفسها.

كما أن المنطقة تتمتع بمنتوج طبيعي من زيت الزيتون، نظرا لعدم استعمال الأغلبية الساحقة، الأسمدة، وهو ما يجعله زيتا طبيعيا خالصا.

 

أدعوا لجعل يوم العلم يوما للاحتفال بشجرة الزيتون، وأن نجعل منتوج المنطقة “ماركة عالمية”

إن شجرة الزيتون شجرة مباركة مذكورة في القرآن الكريم، ومن الواجب علينا الحفاظ عليها، كما أتمنى أن نورثها لأبنائنا وللأجيال اللاحقة، وأرى أن شعبة أشجار الزيتون مستقبل دائرة السطارة، وأتمنى من المصالح المعنية، وهي المصالح الفلاحية طبعا تدعيمنا، وتدعيم كل الفلاحين في المنطقة لجعل زيت الزيتون المنتوج بالسطارة كماركة عالمية، نظرا لجودة هذا المنتوج ووفرته كل سنة.

واقترح من هذا المنبر، على الفلاحين وحتى على مواطني المنطقة، اختيار يوم وبرمجته كيوم للاحتفال بشجرة الزيتون، يكون فرصة لبيع المنتوج، مع تقديمنا تخفيضات عن السعر المتداول في الوقت الحالي، وهذا لكسر الأسعار من جهة، ومن جهة أخرى للتعريف بوفرة المنتوج الذي تقدمه السطارة، ولما لا يكون مع نهاية الموسم مباشرة، في يوم العلم مثلا، لنربط العلم بالفلاحة، ولنجعل من ولاية جيجل الرائدة في هذا المجال وطنيا.

جمال. ك