مرض الغفلة

 مرض الغفلة

خلق ذميم ووصف قبيح، أصيب به كثير من الناس فتاهوا في دروب الدنيا الشائكة، واتبعوا شهواتها الفانية، وانغمسوا في ملذاتها الزائلة، ونسُوا ما خلِقوا من أجله من طاعة وعبادة؛ إنها الغفلة، وما أدراكما الغفلة؛ داء عضال، من ابتلي به وتمكن من قلبه لا تنفعه ذكرى، ولا تفيده موعظة ولا فكرة، ولا يؤثر في نفسه زجر ولا تخويف، ولا آية ولا حديث. ومن صور الغفلة ومظاهرها: الغفلة عن آيات الله؛ فمن الناس من هو غافل عن آيات الله المنظورة، وآياته المتلوة، كما قال تعالى: ” وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ” يونس: 92. لا يتأمل ولا يتفكر في الآيات الكونية التي تدل على عظمة الله وقدرته ووحدانيته، كمن قال الله في حقهم ” وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ” يوسف: 105.

الغفلة عن عبادة الله؛ أن يتيه الإنسان في دروب الحياة الشائكة، ويُسَخرَ كل طاقاته في العمل لهذه الدنيا الفانية، وينسى ما خلق من أجله وهو عبادة ربه سبحانه. لا همّ له إلا أن يستمتع بملذات هذه الدنيا الفانية، ولا هدف له إلا أن يركض وراء شهوات هذه الدنيا الزائلة. غافل عن طاعة ربه، معرض عن عبادة خالقه، مضيع للفرائض، مسرف في المعاصي، مفرّط في القربات، مكثر من السيئات، وقد توعّد الله تعالى من يستكبر عن عبادته ويفرط في طاعته بأشد الوعيد، فقال سبحانه: ” إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ” غافر: 60. وقال عز وجل: ” فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ” الماعون: 4 – 7.

كذلك الغفلة عن الموت والدار الآخرة؛ فالغفلة تُنسي العبدَ ربّه وآخِرَته، وتجعله متعلقا بدنياه، مُعرضا عن آخِرَته، لا يتذكر الموت، ولا يستعد ليوم الحشر، تائه غافل، حتى إذا نزل به الموت تمنى العودة، وقال: ” رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ” المؤمنون: 99، 100. قال تعالى: ” وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا…… ” ق: 19 – 22، أي كنت غافلا عن هذا اليوم مشغولا عنه بمتاع الدنيا الزائل.