شددت وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، السيدة غنية الدالية، على ضرورة إجراء دراسات حول مرض التوحد من أجل تشخيص الأسباب الدقيقة لهذا الوباء الذي يعرف نموا متزايدا في الجزائر.
وأكدت السيدة الدالية خلال زيارتها التفقدية لمشاريع ومنشآت تابعة لقطاعها بالأخضرية وسور الغزلان وامشدالة
والبويرة أن “عدد حالات التوحد في تزايد مستمر مما يوجب على وزارة التضامن الوطني وكل الأطراف المعنية القيام بدراسة وبائية لأجل التعرف على أسبابه الدقيقة”.
وقالت السيدة الوزيرة خلال ندوة صحفية على هامش زيارتها للولاية “لدينا حاليا ما يزيد عن ألف حالة من الأطفال المصابين بالتوحد، لكن ثمة أيضا آخرين لم يتم التكفل بهم في ولايات مختلفة حيث توجد بها قوائم احتياط معتبرة”.
كما أبرزت المسؤولة الأولى عن قطاع التضامن أن “الدولة تحرص على مواجهة هذا الوباء من خلال ضمان صحة جيدة للأم قبل الولادة حتى تضع مولودها في صحة جيدة”، مشيرة إلى “وجود جمعيات تتكفل بالعديد من الحالات” المتعلقة بأطفال التوحد.
وأوضحت الوزيرة أن تزايد الوباء سابقا يعود إلى غياب التشخيص، مؤكدة أن “عمليات التشخيص حاليا موثوقة ودقيقة”.
وفيما يتعلق بالمركز الجاري بنائه بأمشدالة، ألحت الوزيرة على ضرورة تسليمه في شهر جوان القادم، وذلك قبل الدخول المدرسي المقبل من أجل السماح بالتكفل بالأطفال المعاقين وأولئك المصابين بالتوحد في شرق الولاية بشكل خاص.
السلوك الفظ واضطرابات النطق أهم أعراضه
تبقى أعراض التوحد ومسبباته مجهولة لحد الساعة، الأمر الذي يزيد من ألام هذه الفئة التي تبقى تعاني في صمت أمام قلة البحوث التي تكشف أعراض وعلاج هذا الداء.
مرض التوحد هو اضطراب عصبي لا يعرف مصدره، وهو إعاقة نمائية يتم تشخيصها في معظم الأحيان خلال الثلاث السنوات الأولى من عمر الطفل، وعادة ما تؤثر هذه الإعاقة على وظائف المخ. لا تتوفر إحصائيات دقيقة عن عدد المصابين في الجزائر ، وما يعرف أن إعاقة التوحد تصيب الذكور أكثر من الإناث أي بمعدل 4 إلى 1، وهي إعاقة تصيب الأسر من جميع الطبقات الاجتماعية ومن جميع الأجناس والأعراق، كما لا توجد اختبارات طبية لتشخيص حالات التوحد، وعادة ما يعتمد التشخيص الدقيق الوحيد على الملاحظة المباشرة لسلوك الفرد وعلاقاته بالآخرين ومعدلات نموه، ولا مانع من اللجوء في بعض الأحيان إلى الاختبارات الطبية لأن هناك العديد من الأنماط السلوكية يشترك فيها التوحد مع الاضطرابات السلوكية الأخرى. ولا يكفى السلوك بمفرده وإنما مراحل نمو الطفل الطبيعية هامة للغاية، فقد يعانى أطفال التوحد من أعراض تتمثل في تخلف عقلي، اضطراب في التصرفات، مشاكل في السمع وحتى السلوك الفظ، لا شك أن التوحد من أحدث الإعاقات التي تم اكتشافها وأكثرها صعوبة من حيث التشخيص مما يؤدي إلى عدم معرفة الحالة في وقت مبكر أو تشخيصها بشكل خاطئ وبالتالي تجاهل مرض التوحد في المراحل المبكرة من عمر الطفل . ومما يزيد من صعوبة التشخيص أن كثيراً من السلوك التوحدي يوجد في اضطرابات أخرى مثل اضطرابات النطق والكلام وغيرها.
لذا ينصح الأطباء بضرورة تقييم حالة الطفل من قبل فريق متكامل من تخصصات مختلفة مثل أخصائي أعصاب ،أخصائي نفسي ،أخصائي علاج لغة و نطق و طبيب أطفال ،أخصائي تعليمي و أخصائي علاج مهني.
عجز كبير في المؤسسات الصحية المناسبة
تسجل الجزائر عجزا كبيرا في المؤسسات الصحية المناسبة للتكفل بالأطفال الذين يعانون من التوحد، ويجمع الأخصائيون على أن غالبية الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب العصبي لا يستفيدون من أي متابعة طبية تسمح لهم بالإدماج في الأقسام التعليمية بالمدارس العمومية، مما يستدعي ضرورة إنشاء مزيد من المصالح المتخصصة في الطب النفسي للأطفال و تكوين مستخدمين مؤهلين من أجل معالجة هذا المرض الذي تتزايد أعداده في الجزائر من سنة لأخرى دون أن يحرك ذلك إجراءات فعلية للتكفل بهذه الفئة التي لا تجد مكانا لها على الخارطة التعليمية، الصحية وحتى الاجتماعية، فأغلب المصابين بحالات التوحد يمكثون خلف جدران البيوت دون رعاية، مما يؤدي إلى تأزم حالتهم أكثر مع الوقت.
وبسبب التهميش الذي يعاني منه المرضى وأهاليهم، لجأ بعضهم إلى تأسيس جمعية لأولياء الأطفال المصابين بداء التوحد عبر الفايسبوك، بهدف التواصل وطرح المشاكل التي يعانون منها كأولياء وتبادل الخبرات في التعامل مع هذه الفئة من الأطفال والمعاناة التي تواجهها العائلات في حالة اكتشاف إصابة ابن لها بهذا المرض الغامض الذي يرفضون تسميته بالغباء أو بالتخلف العقلي، طبعا لأن الأطفال المصابين بالتوحد يتمتعون بذكاء خارق في مجال واحد على الأقل من مجالات الحياة.
يجمع أغلب الأطباء عادة على تشخيص التوحد بأنه مرض عقلي، و لكن لا داعي للبحث عن الأسباب التي تؤدي إلى التوحد لأنها لا تزال مجهولة، حيث أن الباحثين لم يصلوا بعد إلى سبب محدد. فيما يربط بعضهم بينه وبين الاختلالات العصبية في الدماغ، مما جعل بعضهم يذهب في تفسيره إلى وجود خلل جيني للإصابة بالتوحد.
ويبقى تشخيص المرض ضعيفا في الجزائر بسبب تباين الحالات في الأعراض وفي الشدة، فبعض المصابين بالتوحد يصعب تحديد حالاتهم وقد يظهرون بأنهم أطفال انطوائيون لا أكثر، فيما تزداد الحدة لدى آخرين ينعدم التواصل لديهم بالعالم الخارجي، لا يتحملون وجود الغرباء ولا الأصوات العالية وفي أخطر الحالات يتسمون بالعدوانية والمزاجية التي يسببها لهم السأم والضجر، لهذا يجب المرور باختبارات طبية محددة لتشخيص التوحد والخضوع إلى تشخيص دقيق من قبل مختصين مؤهلين، فمن الضروري تشخيص حالة الطفل على مراحل وفي جلسات متعددة من طرف فريق من الأطباء كأخصائي الأطفال، مختص في الأعصاب، أخصائي في علاج النطق “أرطوفونيا”، وهذا ما لا نجده في بلادنا بسبب النقص الكبير في اختصاصيي هذه المجالات، مما جعل وزارة الصحة تستعين بمختصين من كندا ودول أوروبية لتكوين الأطباء في الاختصاص، خاصة بعد أن تعالت أصوات أولياء الأطفال المصابين بالتوحد والذين بلغ عددهم 80 ألف مصاب في الجزائر، يشكون النقص والتهميش وانعدام التكفل.
“التوحد”…المرض الذي يخشاه الآباء و يعرقل حياة الأبناء
تنتظر كل أم بفارغ الصبر أول كلمة ينطق بها طفلها، كما تترقب كل حركة يقوم بها، فتصوّر تلك اللحظات المميزة التي يلعب فيها بألعابه أو مع الأطفال الآخرين.
لذلك، يمكن للأم أن تلاحظ مباشرةً أي غرابة في تصرفات طفلها، فقد لا يتجاوب مع ابتسامتها التي تنتظر من خلالها ردة فعل جميلة منه، وقد لا يجيب عندما تناديه، كما يمكن أن يظهر انغلاقاً على ذاته ولا يختار اللعب مع الأطفال الآخرين كما يفعل أي طفل… مؤشرات كثيرة يمكن أن تلفت نظر الأم، في سن السنة ونصف السنة غالباً، وقد تدلّها إلى احتمال إصابة الطفل بالتوحد.
ما الذي قد تلاحظه الأم لدى طفلها ويدعوها إلى الشك في احتمال إصابته بالتوحد؟
من أبرز الأعراض التي يمكن أن تلاحظها الأم التأخر في الكلام، كما أن الطفل لا يتجاوب عند مناداته وكأنه يعاني مشكلة في السمع، وغالباً ما يتم الخلط بين التوحد ومشكلة السمع، مما يساهم في تأخير التشخيص.
كما أن مريض التوحد يفتقد القدرة على التواصل بالعينين، فلا ينظر في عيني الشخص الذي أمامه.
هذا إضافةً إلى كونه لا يلعب مع الأطفال الآخرين، فقد يدخل غرفة فيها أطفال وألعاب ولا يلعب معهم بل ينعزل ويلعب بمفرده.
هذه كلّها من علامات التوحد الواضحة، إضافةً إلى الحركات المتكررة. كما أن مريض التوحد لا يدل بإصبعه إلى الأشياء، بل قد يستعين بيد أمه أو أي شخص آخر ليشير إلى أحد الأشياء.
قد يمشي أيضاً على رؤوس أصابع قدميه ويركز بكثرة على الضوء في السقف مثلا، هذه أيضاً من المؤشرات التي لا بد للأم من التنبه لها.
هل إصابة أحد الأطفال في العائلة تعني أن الآخرين الذين سينجبهم الأهل سيصابون بالتوحد؟
يبدو احتمال الانتقال الوراثي للمرض مرتفعاً، ففي حال إصابة أحد الأطفال بالتوحد، ثمة احتمال كبير بأن الأطفال الباقين الذين يمكن إنجابهم سيكونون مصابين.
حتى أنه في حال ولادة توأمين يمكن أن يكون الاثنان مصابين بالمرض. لكن النسبة لا تصل إلى 100 في المائة طبعاً.
ما درجة التحسن التي يبلغها الطفل؟
لكل ولد خصوصية، وتختلف القدرة على التحسن بين طفل وآخر. لكن يمكن القول إنه بشكل عام، بعد شهر من العلاج المنتظم يبدو الطفل مختلفاً تماماً لشدة التحسن الذي يطرأ في حالته.
– هل صحيح ما يقال بأن الطفل الذي يعاني التوحد يبرع في مجال معيّن؟
هذا يحصل في حالات معينة، لكنه ليس ضرورياً وليس صحيحاً مع الكل، ففيما يظهر البعض براعة في مجال معيّن كالحساب أو الرسم أو الكمبيوتر، يتم اكتشافها مع الوقت، يمكن ألا يظهر تميّزا حقيقيا في مجال معيّن.
– ما دور الأهل في العمل بشكل موازٍ مع علاج الاختصاصيين؟
يحضر الأهل جلسات يتعلّمون فيها من الاختصاصيين النمط الذي يجب اتباعه في التعامل مع الطفل المريض بهدف تغيير طريقة تصرفه، ومن النصائح التي نسديها لهم:
٧ التركيز على لغة واحدة في المنزل: إذا كان الأهل يتكلمون لغات عدة، يجب التركيز على لغة واحدة يتحدث بها الكل في المنزل حتى يتمكن الطفل الذي يعاني صعوبة في الكلام من التركيز عليها واستيعابها إلى أن يلتقطها جيداً ويتطور فيها، ثم يمكن الانتقال إلى لغة أخرى.
٧ تسمية الشيء المعني: يجب الانتظار حتى يسمي الطفل الشيء الذي يريده قبل إعطائه إياه. وهذا ضمن الاستراتيجية المتبعة لتحسين حالة الطفل.
٧ التحدث معه وجهاً لوجه: ينصح الأهل أيضاً بالتحدث مع الطفل وجهاً لوجه. وهذا أساسي بحيث يرى الوجه وتعابيره ويتواصل في النظر عند التحدث إليه.
٧ وضع الطفل في سن مبكرة مع أطفال آخرين: يجب تأمين محيط فيه أولاد للطفل المريض في سن مبكرة كالحضانة مثلاً، فبقدر ما يوضع في محيط مع أطفال في سن مبكرة أكثر يلاحظ تحسنا أكبر لديه كونه يتعلّم من خلال تقليد الأطفال الآخرين، وهذا يساعد كثيراً في تحسن حالته.