هذه المرحلة هي مرحلة بلوغ الأشد، قال تعالى: ” وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ” الأنعام: 152. في هذه المرحلة يتم نضج الفرد الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، ويكون عطاؤه في ذروته من حيث القوة البدنية, ومن حيث القدرة على التفكير ومن حيث الاستقرار الانفعالي. ويأتي بعد ذلك مرحلة النضج ونقدرها بين السنوات “40 – 60″ على وجه التقريب، وهذه هي المرحلة التي تلقى محمد صلى الله عليه وسلم الرسالة في بدايتها، وتتلو مرحلة الشيخوخة هذه المرحلة، وتأتي فيما بعد الستين، وقد أشار الحق تبارك وتعالى إلى هذه المرحلة في قوله تعالى: ” هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ” غافر: 67.
وروى البخاري عند تفسير هذه الآية عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: “أعوذ بك من البخل والكسل والهرم وأرذل العمر وعذاب القبر وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات”. لذلك اعتنى الإسلام بالشّباب عناية فائقة، ووجَّههم توجيهًا سديدًا نحو البناء والنّماء والخير، واهتمّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بالشّباب اهتمامًا كبيرًا، فقد كانوا الفئة الأكثر التي وقفت بجانبه في بداية الدّعوة فأيّدوه ونصروه ونشروا الإسلام وتحمّلوا في سبيل ذلك المشاق والعنت. قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: “ما آتى الله عزّ وجلّ عبدًا علمًا إلاّ شابًّا، والخيرُ كلُّه في الشّباب”، ثمّ تلا قوله عزّ وجلّ: ” قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ” الأنبياء: 60، وقوله تعالى: ” إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ” الكهف: 13، وقوله تعالى: ” وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ” مريم: 12. وعمل عليه الصّلاة والسّلام على تهذيب أخلاق الشّباب، وشحذ هممهم، وتوجيه طاقاتهم، وإعدادهم لتحمّل المسؤولية في قيادة الأمّة، كما حفّزهم على العمل والعبادة، فقال عليه الصّلاة والسّلام: ” سبعة يُظلّهُم الله في ظِلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه.. “؛ وعدَّ منهم: ” شاب نشأ في عبادة الله “.