عندما تتمازج رهبة الجبل مع سحر البحر

مرتفع سرايدي.. حيث الغابات الآسرة والخلجان المتوهجة

elmaouid

على قمة جبل “أدوغ” الشامخ، يستقر المرتفع في شموخ مانحا لرواده واجهة غنية مُشرّبة بصفاء الجبل وعبق البحر وسط الغابات والربوات الممتدة الحافلة بما سكبته وصنعته الطبيعة على إيقاع شتاء لم تشهده الجزائر منذ سنوات.. هنا كل شيء متوفر.. نسيم الجو، روعة المناظر بين غابات آسرة وخلجان متوهجة تمكّن الخائضين فيها من اكتساب النشاط والخفة والرشاقة، مقابل ثراء بيولوجي مكتنز بالأزهار الفوّاحة، وشجيرات الكرز، الأرز الأطلسي وثمار الفراولة.

مرتفع سرايدي… قبلة الباحثين عن لطافة الجو في عز فصل القر، وحاضنة العائلات الفارة من لهيب الحر، حيث توفر غابات سرايدي بعنابة الظل الوافر خلال فصل الصيف، خاصة مع ارتفاع درجة الحرارة هذه الأيام، والتي فاقت معدلها الصيفي، حيث تقصدها العائلات للتظلل تحت أشجارها العالية التي تستغلها لقضاء بعض الوقت هروبا من لفح الشمس والرطوبة العالية، وما يميز مدينة سرايدي السياحية؛ اعتدال طقسها وهوائها المنعش ولطافة الجو حتى في عز الصيف، وهو ما يجعل سكان المدينة يتخلون عن المكيفات ويعتبرونها اكسسوارا إضافيا يدخل ضمن ديكور المنزل، ويهتم الكثير منهم به بفضل برودة المكان الذي تغطيه الأشجار الكثيفة والغابات المتداخلة التي شكلت هي الأخرى فسيفساء مدروسة من صنع الخالق.

ومن أهم ما تتوفر عليه مدينة سرايدي وأعالي جبال الإيدوغ، هي المياه المعدنية التي تنبعث من منابع صافية تروي العطشان وتشفي المريض، حيث تجد العائلات والمارة يتسابقون عشية كل مساء صيفي لاقتناء قوارير الماء العذب راغبين في الارتواء وباحثين عن الشفاء، حيث تُعرف تلك المياه بقدرتها على الشفاء من بعض الأمراض كحصى الكلى حسب ما هو مُشاع لدى سكان المنطقة، بالإضافة إلى تواجده بالقرب من أشجار الريحان والزيتون، وهو ما يساعد على الحفاظ على درجة برودة ونقاوة لا تجده في غيرها.

وفي هذا السياق، سيتم إنشاء منبع كبير لتجميع المياه والاستفادة منها، وهو المشروع الذي وضعته مصالح بلدية سرايدي بعين الاعتبار لتوفير الماء الشروب للسواح والمصطافين.

 

الشخشوخة في الصيف وعلى ارتفاع 1200 متر

يشتهر مطعم “الشاليه“ بمدينة سرايدي بتقديمه لطبق الشخشوخة الشهي الذي يمكنك أن تأكله وأنت في عز فصل الصيف نظرا لطبيعة الجو اللطيف في سرايدي، خاصة وأنها تقع على علو 1200 متر، وهو ما يمنحك شعورا بالمتعة وأنت تتناول أشهر طبق تقليدي وفي أطباق خشبية تقليدية كذلك.

 

الدب القطبي”.. وحكاية “الكريبوني”

محل “الدب القطبي”، هو محل صغير المساحة، ضيق الزوايا، لكن خدماته المقدمة وحسن الاستقبال يجعله الوجهة المفضلة لكل زائر يبحث عن “الكريبوني” الذي يبدع عمي “برحال” في صنعه.

عمي “برحال” صاحب المحل الموروث أبا عن جد منذ 1962، والذي يواصل عمل عائلته التي ارتبط اسمها باسم “الكريبوني” الذي يتم إخراج تركيبته على مستوى المخبر الخاص بعائلة برحال الذي يبعد بـ 50 مترا عن محل “الدب القطبي”، يتم فيه تحضير حوالي 30 أو 40 نوعا من “البوظة”، على غرار “الكريبوني”، باستعمال آلات جد متطورة للتبريد وحفظ المادة المصنعة، أما عن الماء المعتمد، فقد أكد السيد” برحال” أنه يتم تصفية الماء على مستوى المخبر لإخراج المثلجات في صورتها النهائية.

ولأن المشاكل كثيرا ما تحول دون إتمام العمل، فإن مشكل انقطاعات الكهرباء المتكررة وكذا الماء تشكّل عائقا في الاحتفاظ بالمواد المخزنة، وهو ما يخلق مشاكل كثيرة للسيد برحال الذي يقول في السياق ذاته بأن المشكل الأكبر الذي يتخبط فيه هو صعوبة توسيع المحل، مؤكدا على أن تأجيره للمكان يكون على حسب الطاولة، في الوقت الذي من المفروض أن يتم اعتمادا على المتر المربع. كما أكد أنه يدفع الضريبة، إلا أن المشكل لم يتم حله، مفيدا في ذات الوقت أن المجلس البلدي تفهم الوضعية ووعدهم بإيجاد حل في المداولات اللاحقة. ورغم كل الصعوبات التي تعترض طريقهم، إلا أن عمي برحال كله عزيمة في العمل جاهدا من أجل إرضاء الزبائن القادمين من كل ربوع الوطن، وأنه سيسعى جاهدا للنهوض بالسياحة في عنابة وفي الجزائر من أجل اكتساب “الثقافة السياحية” لمنافسة باقي البلدان.

 

أبناء بونة وعشق الاخضرار

إن كانت بعض العائلات العنابية تفضّل زرقة البحر ورماله الذهبية، فإن هناك من تفضل الطبيعة الخضراء وشموخ الجبال، ولا يحلو لها الاصطياف دون التمتع بغابات سرايدي، هذه الأخيرة والتي كانت بدورها ـ قبل أن يحل هذا الوباء ـ تستقطب آلاف السواح، عاشت أثناء انتشار الوباء وقبل رفع الحجر الصحي سكونا موحشا، فلا وجود للزوار القادمين من الولايات المجاورة، والذين تعودت عليهم بونة مع نهاية كل أسبوع، حيث يلجأون إليها بحثا عن الراحة والهدوء والابتعاد عن صخب وضوضاء المدينة.

اليوم يعود الزوار إلى مكانهم المفضل، وتعود أعالي سرايدي الخضراء لاستقبال العائلات العنابية للاستمتاع بجبال إيدوغ السلسلة الجبلية التي تقع بين ولايتي عنابة وسكيكدة، والتي تصل أعلى قمة بها إلى 1008 م، وهي قمّة «بوزيزي» وتمتد من رأس الحمراء شرقا إلى رأس الحديد غربا على مسافة تقدر بـ 70 كلم تقريبا، ممّا أدّى إلى ترقيتها وتصنيفها إلى منطقة محمية طبيعية.

فالكثير من الأسر العنابية وعلى رأسهم الشباب، لا يستطيعون تفويت فرصة قضاء سويعات بهذه المنطقة الغابية بأعالي جبال سرايدي، هروبا من لفح الشمس والرطوبة العالية، على اعتبار أنها تتميز بهوائها المنعش ولطافة جوّها في عز فصل الصيف، بفضل أشجارها الكثيفة.

 

شواطئ ساحرة تنعش الفؤاد وتريح القلب

شواطئ عنابة من أجمل وأروع وأنقى الشواطئ الجزائرية، وأنت تجوب هذه الشواطئ، ينشرح قلبك وينتعش فؤادك بها، فمياهها الزرقاء الصافية وخريرها العذب يبعدك عن ضوضاء المدينة وينسيك مشاق الحياة ومتاعبها.. ففيها تجد راحة البال وسكون النفس الذي طالما سمعت عنه، فهي القادرة على إراحتك و إبهارك في آن واحد، ففيها لا تجد إلا أن تنبهر بتلك اللوحة التي لم يبدع أي رسام في رسمها، وحده الخالق صورها وأبدع في صنعها بطبيعة خلابة وجبال مخضرة وهدوء يشرح القلب.

 

غابات آسرة وخلجان متوهجة

بسرايدي كل شيء متوفر.. نسيم الجو، روعة المناظر، وبين غابات آسرة وخلجان متوهجة يتمكّن الخائضون فيها من اكتساب النشاط والخفة والرشاقة، في مقابل ثراء بيولوجي مكتنز بالأزهار الفوّاحة، وشجيرات الكرز، الأرز الأطلسي وثمار الفراولة، كلها جعلت مدينة سرايدي أكثر ديناميكية في مواسم الاصطياف، ومع ذلك فبريقها يغري أيضا في مواسم الشتاء، حتى وإن عاشت سرايدي كغيرها من مناطق الجزائر حالة استثنائية من الصقيع خلال الشتاء المنقضي، ما أدى إلى عزلها لفترة بفعل الكميات الهائلة من الثلوج المتراكمة التي حولت المرتفع إلى بساط أبيض استهوى المتزلجين والفضوليين. ولكن سرايدي بقيت عنوانا للجيولوجيا الحيوية حتى في عزّ تلك الأيام وهو ما منح نفحات منعشة تغذي صدور الغابات وتخلق للقاطنين والوافدين أجواء للمرح، ومع ذلك ما تزال سرايدي كنزا عذريا لم يكشف عن جميع مكوناته، بحكم ما ينطوي عليه من غطاء نباتي استثنائي، و لا يحق أبدا اختزال البعض لسرايدي في مرتفعها فحسب، فخلجانها المتعانقة التي لا تزال ثرواتها غير معروفة على وجه الدقة. بهذا الشأن، يتحدث باحثون عن تواجد كم كبير من الكائنات البحرية في خلجان سرايدي، من أسماك المرجان، الجمبري، السوندر، الشبوط الملكي بأنواعه الثلاثة، وصولا إلى البوري والمارو وغيرها، ناهيك عن الأصداف الحرية العملاقة (الباليت)، مرورا بالبط البري، اليمام، الحجل، دجاج الماء وبعض الحيوانات الغطّاسة. ويرى الباحثون أن سرايدي تصلح لأن تكون مخبرا نموذجيا متخصصا في الأنساق البيئية المزاوجة بين الجبل والبحر والغابة.

لمياء بن دعاس