الوقاية تستدعي تضافر الجهود, مكافحة الإدمان عند الشباب والمراهقين… مراكز واعدة للتخفيف من الظاهرة

elmaouid

– مختصون: الأسرة شريك رئيسي في العلاج

يعتبر المختصون أن الوقاية من المخدرات مهمة تستدعي تضافر جهود الجميع، خاصة وأن الاحصاءات المعلنة المتعلقة بانتشار تعاطي وإدمان المخدرات في الوسط المدرسي تشير إلى أن الأطفال هم الأكثر عرضة

للإدمان في السنوات الأخيرة، ولعل المشاكل الأسرية من أهم الأسباب المؤدية إلى تعاطي المخدرات والانحراف، إضافة إلى غياب ثقافة التواصل داخل الأسرة وتربية الأبناء في المجتمع وتركهم في مواجهة مخاطر الادمان.

ومع تعدد الجهات الهادفة إلى حماية الشباب من الإدمان، تتعدد الطرق أيضا لذلك، حيث اختار عدد من الجمعيات سبيل التوعية، وهو ما ذهبت إليه السيدة شهرزاد بن قاوة رئيسة جمعية “زهرة بلادي” التي اختارت توعية الأطفال الصغار المتمدرسين في الابتدائيات لكي يكبروا وهم مدركون خطورة الإدمان، وهو ما يتم العمل عليه من خلال الورشات المفتوحة والحملات التوعوية التي تقوم بها الناشطة من خلال جمعياتها.

فيما اختارت جمعية حماية الأحداث من الانحراف لولاية الجزائر مسلكا آخرا، حيث يرى سيد علي لعبادي رئيس الجمعية أنه بإمكاننا ابعاد الشباب عن الادمان عن طريق التكوين أو التوظيف، وهو ما تم بالفعل من خلال نشاط الجمعية الذي قام بإدماج 50 شابا من ذوي السوابق العدلية في مجال الشغل، وينتظر في القريب العاجل ادماج 250 شابا آخرا بعد ادراجهم في دورات تكوينية قصيرة المدى تتعلق بالمهن الجديدة.

 

تخلي الأسرة عن وظيفتها التربوية وراء انتشار الظاهرة

دعا المتدخلون في أشغال اليوم الدراسي الذي نظمه ديوان مؤسسات الشباب بقسنطينة، إلى ضرورة فتح باب الحوار والتواصل بين الأولياء وأبنائهم، للحد من ظاهرة المخدرات التي باتت تعرف انتشارا كبيرا خلال السنوات الأخيرة في المجتمع الجزائري، خاصة بعدما استقلت الأسرة عن دورها الحقيقي في التكفل بأبنائها والاستماع لانشغالاتهم ومشاكلهم بسبب انشغالاتها اليومية.

هذا، و طالب المتدخلون من أخصائيين نفسانيين واجتماعيين وممثلين عن الأمن الوطني، وكذا مديرية الشؤون الدينية، في أشغال اليوم الدراسي حول “آفة المخدرات وانعكاساتها السلبية على استقرار المجتمع”، الذي حمل شعار “المخدرات آفة المجتمع ودمار العائلة”، بضرورة تبني مشاكل الأطفال والشباب والتكفل بها من قبل الأسرة وحتى المجتمع، مع تدعيم النشاطات الترفيهية والرياضية لتجنيبهم الانسياق وراء الآفات الاجتماعية التي تنخر المجتمع، وإعداد برامج إرشادية وتحسيسية وتنظيم دورات لتوعية المراهقين والشباب بمخاطر هذه الظاهرة، زيادة على نشر الوعي بأهمية التماسك الأسري والحرص على الجلوس والحوار مع الأهل.

من جهته، أكد رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة قسنطينة “2”، الدكتور زيان محمد، في مداخلته، غياب الحوار بالمجتمع الجزائري، خاصة داخل الأسرة التي باتت مستقلة عن أبنائها ومشاكلهم، وبدأت تذهب من حيث الشكل والمضمون، والوظيفة التربوية التي تخلت عنها تماما، حيث أنّ الكثير من الآباء والأمهات لازالوا غير واعين بخطورة مشاكل أبنائهم خاصة الشباب والمراهقين منهم، لأنهم في كثير من الأحيان يغضون النظر على إدمانهم العديد من الأمور السلبية، كرفقاء السوء والتسرب المدرسي، مما يؤدي إلى إدمانهم على الآفة الاجتماعية كالمخدرات والمهلوسات. مضيفا في نفس السياق، أن غياب الحرية وأماكن الترفيه وفقدان الأمل والاصطدام بحواجز اجتماعية وغيرها، كعدم الحصول على منصب عمل أو منصب في التكوين المهني وغيرها، تدفع الشباب للاتجاه إلى آفة المخدرات، حيث اعتبر المتدخل أن اللجوء إلى الإدمان يعد رد فعل نفسي وليس مادي، باعتبار أن أغلب المشاكل لدى المراهقين أو ما قبل المراهقة والذين يتوجهون للمخدرات، يحاولون إثبات ذاتهم، وهو ما يجعلهم في صدام مع العائلة.

من جهته، قال باحث في علم الاجتماع إن الجزائر من الدول التي تعرف انتشارا كبيرا للظاهرة، بعدما كانت مجرد منطقة عبور لهذه السموم، إلا أنها أصبحت منطقة استهلاك بسبب شبكات دولية مختصة تريد إلحاق الضرر بالبلاد، حيث أن 50 بالمائة من المخدرات تبقى في الجزائر وتروج داخلها. كما طالب بضرورة تخطي الخطابات الرسمية في المساجد والنزول بالخطاب الديني إلى مستويات ومشاكل الأفراد اليومية، وعلى رأسها المخدرات، حتى لا تكون خطابات رسمية وهامشية.

 

أغلب الموقوفين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و 25 سنة

أما ممثل الدرك الوطني، فأكد خلال عرضه لإحصائيات حول انتشار المخدرات، أن الآفة عرفت في السنوات الأخيرة انتشارا رهيبا، خاصة في أوساط الشباب والقصر رغم الحملات التحسيسية والتوعوية، حيث أن أغلب الموقوفين خلال السنة الفارطة تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة، تم إيداع أزيد من 45 منهم بمؤسسات إعادة التربية والتأهيل بسبب جنحة ترويج واستهلاك المخدرات والحبوب المهلوسة، متحدثا في نفس السياق، عن قانون 04-18 الذي رفع من عقوبة المستهلكين للمخدرات من شهرين إلى سنتين.

 

مركز الوسيط لمكافحة الإدمان ببومرداس:

23 ألف استشارة، منها 20٪ خاصة بعلاج الإدمان

 

تمكن مركز “الوسيط” لمكافحة الإدمان ببلدية يسر في ولاية بومرداس، الذي افتتح في 2015، من تحقيق قرابة 23 ألف استشارة طبية متخصصة، منها 20٪ خاصة بعلاج الإدمان، يطمح إلى ترقية مجال تدخله في مكافحة كافة أشكال الإدمان، من خلال إدراج برمجة دورات تكوينية للطاقم الطبي وشبه الطبي.

هذا، و قالت السيدة علجية أكسيل أعراب مديرة مركز الوسيط لمكافحة الإدمان، (مديرة المؤسسة العمومية للصحة الجوارية ببرج منايل)، أن دخول المركز حيز الخدمة في 2015، سمح بتكفّل أفضل بالمدمنين، عوض تحويلهم إلى مراكز أخرى بولايتي البليدة أو تيزي وزو، موضحة أن المركز سجل 22.733 استشارة طبية متخصصة، منها 20٪ تمثل الاستشارة الخاصة بالإدمان، وسعى القائمون على تطوير المركز تدريجيا عن طريق إدراج مختصين جدد وتكوين آخرين في سبيل توسيع مهمة مكافحة وعلاج الإدمان بكافة أشكاله، بما فيه إدمان الكحول والتدخين، مع العلم أن المركز سجل حالات إدمان ألعاب إلكترونية وأنترنت تم التعامل معها باحترافية كبيرة، مكنت من فطام المدمنين القصر.

واستقبل المركز مؤخرا ثلاث حالات لقصر ذكور تتراوح أعمارهم بين 14-16 سنة، انتقل بهم أولياؤهم في محاولة أخيرة لإخراج فلذات أكبادهم من براثن شبكة الأنترنت والألعاب الإلكترونية، ويشرح بأنّ الحالة النفسية للأولياء كانت في الحضيض، على اعتبار أنهم حاولوا عبثا إبعاد أبنائهم عن تلك الألعاب دون نتيجة ، و هو ما دفع المختصين في المركز إلى انتهاج أسلوب الحوار الهادئ، في محاولة إيجاد مراكز اهتمام أخرى لهؤلاء الأحداث، و فعلا تم إبعادهم عن مرحلة إدمان الألعاب الإلكترونية بنجاح.

أساليب ذهنية تؤتي نتائج مرضية

وتنحصر تقنية المداواة بالعمل، في تحويل اهتمام المُدمن إلى مراكز اهتمام أخرى، يستعمل فيها ذهنه أو يديه، ومنه الرسم وألعاب الشطرنج وغيرها من الألعاب الذهنية، إلى ممارسة الرياضة. تمر المداواة عبر خمس مراحل؛ تهتم المرحلة الأولى بكسب ثقة المدمن، ثم مرحلة المحادثة التحفيزية “وهنا ندخل الشك لدى المدمن حول أمر إدمانه بطرق خاصة، حتى يدرك أنه في حالة مرضية حتى يدخل مرحلة التناقض مع نفسه”، يقول محدثنا، لتأتي بعدها مرحلة اتّخاذ القرار بالابتعاد عن الخطر، ضمن عمل فريق طبي يضم طبيبا معالجا، المختص في المداواة بالعمل ونفساني.

أما رابع مرحلة في طريق علاج الإدمان، فتتلخص في تنفيذ العلاج من طرف المدمن نفسه، وهنا يتم تنفيذ ذلك يوميا بمعدل ساعة إلى ساعة ونصف الساعة، تبعا لكل حالة إدمان، كذلك التحسن يختلف تبعا لكل حالة، للوصول نهائيا إلى مرحلة الفطام التي يتغلّب عندها المدمن على نفسه، لتبدأ بعدها مرحلة أكثر صعوبة، وهي الحفاظ على ما تحقق من نتائج، “وهنا لابد من تدخل العائلة أو الوالدين لحظر وقوع المدمن في حالة العودة”، يقول المتحدث، موضحا أن تحديد مدة مراحل العلاج الخمس تتحدد تبعا لكل حالة.