صاحب الفكر السياسي والتربية الوطنية

محمد مصطفى شنتوف.. الشهيد الذي أربك المستعمر

محمد مصطفى شنتوف.. الشهيد الذي أربك المستعمر

ولد السياسي المجاهد الشهيد محمد مصطفى شنتوف يوم 17 أفريل 1919 بواد العبد المحاميد غرب قرية المالح دائرة هاشم ولاية معسكر، من عائلة متواضعة معروفة بخدمة الأرض وتربية الماشية، متسمة بالأعمال الخيرية ومساعدة المحتاجين والصلح بين سكان القبيلة والعشيرة.

اكتسب الشهيد فكرا سياسيا وتربية وطنية، حيث كان يحضر العديد من اجتماعات حزب الشعب الجزائري (1937) بمدينة معسكر إلى أن انخرط فيه تحت قيادة (الصغير الجيلالي) المعروف بالمجاهد سي إسماعيل، حيث كلف الشاب محمد بن مصطفى شنتوف للقيام بعملية تحسيس شباب المنطقة والقرى المجاورة بدعوتهم للانخراط في الحزب.

ونظرا لحنكته الفطرية وفطنته المبكرة وسريته المتميزة، تمكن وفي مدة قصيرة من تكوين مجموعة كبيرة من المناضلين والشباب الواعد المتحمس للقيام بالثورة من الذين أجبروا على الخدمة العسكرية والزج بهم في الحرب العالمية الثانية والذين كانوا النواة الأولى للفرقة الصلبة داخل منطقة المنظمة السرية (1947) بعد حل حزب الشعب الجزائري (1939)، حيث كان محمد بن مصطفى يقوم بعقد اجتماعات سرية بمنزله البعيد عن الأنظار والقريب من جبل قرقور والمناطق الجبلية والاستراتيجية المحتضنة للثورة إلى أن أصبح رئيسا لفرقة صلبة (35 فردا) تنشط داخل المنظمة السرية المتجددة (1953) والمشكلة من كاتب (الهاشمي بوناب) ومكلف بالاتصالات (زرقاوي بن يحيى) ورئيس للأفواج (دحو كرماس) ومنسق (خلوفي محمد ولد الهاشمي) مباشرة لعملها الميداني بشراء وتدبير الأسلحة وجمع المتفجرات والأدوية والأموال وحفر المخابئ والخنادق وتهيئة المغارات وتجنيد الشباب المؤمن المستعد للتضحية وتدريبه على العمليات القتالية الذي تحقق في يوم أول نوفمبر 1954 تاريخ بداية الكفاح المسلح المتوج بالنصر المبين.

ولم يكن منزل السياسي المجاهد الشهيد محمد بن مصطفى شنتوف مركزا للقيادة فحسب، بل ثكنة عسكرية تقصدها القيادات والفصائل والكتائب لجيش التحرير الوطني، مسخرا كل أمواله وممتلكاته تحت تصرف المجاهدين والوطنيين المخلصين إلى أن انكشف المركز أثناء سلوك الاستعمار سياسة الأرض المحروقة الديغولية المتميزة بالقتل الجماعي للشعب بالقرى والمحتشدات، إذ دمر وأحرق وشرد العائلة. فالتحق محمد بن مصطفى وشقيقه الطيب بصفوف جيش التحرير الوطني عام 1956 فأبلوا البلاء الحسن في العديد من المعارك والاشتباكات، فاستشهد الطيب بن مصطفى في أحد أيام شهر فيفري 1956 بقصف جوي قرب جبل المناور بعين هدية دوار الشرفاء بحبوشة.

ونظرا لكثرة السيول والفيضانات جرفت جثته الطاهرة فأصبح في عداد الشهداء الذين لا قبر لهم، أما شقيقه السياسي المجاهد الشهيد محمد بن مصطفى شنتوف، ونظرا لخبرته السياسية وفطنته، فقد عين أمينا لمنطقة عملياتية مع القائد سي رضوان (شقال النعمي) وسي محمود (حوحة محمود) قائد معركة المناور الكبرى 05/09/1957 وسي المجدوب (شايب الطيب) وسي مصطفى مولاي وسي مصطفى سطنبولي وسي سماعيل (الصغير الجيلالي) وسي عبد الخالق قائد عمليات حرق المزارع 22/09/1956 بسهل غريس، إذ تجمع المجاهدون بمركز الشهيد محمد بن مصطفى شنتوف بعد نجاح العملية وغيرهم من القادة السياسيين والعسكريين بمختلف مناطق الولاية الخامسة والذين شرفهم أحد أعضاء قيادة العمليات العسكرية، ضابط المنطقة الرابعة والسابعة المراقب العسكري العام للولاية الخامسة السيد عبد العزيز بوتفليقة (سي عبد القادر) عام 1958 وهو في طريقه من سعيدة الى تيارت ومشيا على الأقدام مارا بمركز محمد بن مصطفى شنتوف بواد العبت متوجها إلى مركز القيادة والعبور والتوجيه العسكري المتواجد بأولاد بليل بزاوية الحاج لحبيب بلحرش مفلتا بأعجوبة من الكمائن المنصوبة له من طرف العدو وعملائه في العديد من مناطق الولاية الخامسة والتي ما زالت أسرارها مجهولة، خاصة وأنها مصادفة لعملية التاج الثانية السفاح الجنرال بيجار المتمركز بمدينة سعيدة عام 1959 وهي الفترة الصعبة التي شُدد فيها الخناق على المنطقة السادسة التي تجمع فصائلها وكتائبها المجاهدين العسكريين المختصين في حرب العصابات والمعارك النظامية الفارين من الجيش الفرنسي أثناء عودتهم من حروب الهند الصينية والذين شكلوا خطرا على القوات الفرنسية بجانب إخوانهم الذين سبقوهم في الجهاد (1954 1962)، مما اضطر قيادة الجمهورية الخامسة سلوك سياسة الإبادة الجماعية للشعب الجزائري أو الاستسلام، حيث سلك قادة جيش التحرير الوطني استراتيجية عسكرية ساعدت على الصمود والتصدي متمثلة في تكوين أفواج وفرق عسكرية قتالية ساعدت السياسي المجاهد الشهيد محمد بن مصطفى شنتوف بتكوين أفواج بالجهة الشرقية للمنطقة السادسة من الولاية الخامسة ترأس أكثرها عمليته بجبال ومناطق واد العبد وأم العلو ونسيسة وبزيطة والموالك حيث فرض سيطرته الكاملة على المراكز العسكرية الفرنسية مكثفا عليها الهجومات المباغتة وزارعا الرعب والخوف في أوساط الكولون مصفيا العديد من الخونة والحركى والعملاء بل محررا العديد من المناطق والمنافذ المتواجدة بين المنطقة السادسة والسابعة لعدة أشهر إلى أن انكشف أمره عن طريق أحد الخونة المستسلمين، إذ اطلعت عليه المخابرات العسكرية الفرنسية بأن هناك فوجا من المجاهدين يقوده محمد بن مصطفى شنتوف متمركز بجبل الموالك وبالتحديد قرب الكاف لحمر، مما دفع القوات الفرنسية الى محاصرة الجبل يوم ونصف، فكان لمحمد بن مصطفى شنتوف ورفاقه (11 شهيدا) موعدا مع القدر في هذه المعركة المشرفة.