كان هدفا ثمينا لجهاز الموساد

محمد بودية.. ناضل من أجل الجزائر وفلسطين

محمد بودية.. ناضل من أجل الجزائر وفلسطين

ولد محمد بودية يوم 24 فيفري 1932 في حي سوسطارة الشعبي، وهناك تلقى تعليمه الأولي، قبل أن يتم قطعه كمعظم الجزائريين في عهد الاستعمار الفرنسي، ليبدأ محمد بعدها مرحلة أخرى من حياته، وهي السعي وراء لقمة العيش وشظف الحياة، أي بدأ في بيع الجرائد، وتلميع الأحذية، في ساحة بورسعيد، إضافة إلى ممارسته عددًا من المهن البسيطة الأخرى والتي كانت حكرًا على الجزائريين فقط، بأن يتعرف عن قرب على الفرنسيين الذين اغتصبوا أرضه وأرض أجداده، من خلال معاملتهم الفظة وعنصريتهم وغطرستهم الشديدة، حتى أنه دخل في إحدى المرات في مشادات مع أحدهم، بعد أن امتنع عن تقديم أجره.

ولهذا تم إرساله إلى مركز إعادة التربية الخاص بالقصر، وهناك تعرف على ميوله الفنية. بعد خروجه من المركز بدأ يقترب أكثر من العوالم المسرحية، سواء من خلال التكوين، أو الممارسة. كما انخرط في عدد من الفرق، وانطلق في حياته الجديدة، خاصة بعد التحاقه بالمركز الوطني للفنون الدرامية سنة 1954.

فتح المسرح عددًا من الأبواب أمام محمد بودية، ومكّنه من السفر والتحليق في عدد من الفضاءات في أوروبا. هناك بدأ مرحلة أخرى في حياته، وبعد سنة من اندلاع الثورة الجزائرية (1954 ـ 1962)، أصبح عضوًا في منظمتها المدنية، وبدأ من خلالها فكر وتوجه بودية يتطور أكثر. وعندما اشتد الخناق على الثورة في الجزائر، فكر الثوار في تصديرها إلى الأراضي الفرنسية، من أجل فك الحصار عليها. ولهذا تم التواصل مع محمد بودية، ليكون مسؤولًا وعضوًا في “فيدرالية جبهة التحرير الوطني فرنسا”.

وهناك نفّذ عددًا من العمليات الناجحة على التراب الفرنسي، ليتم القبض عليه ورميه في غياهب السجن، لكنه استطاع الهرب منه والسفر إلى تونس، ليستأنف هناك نشاطه النضالي من جديد، خاصة وأن مركز تونس يعد من بين المراكز المهمة لجبهة التحرير الوطني، حيث تم تأسيس فريق جبهة التحرير لكرة القدم، إضافة إلى خلية السمعي البصري التي أنتجت عددًا من الأفلام المهمة المعرّفة بالثورة، إضافة إلى فرقة جبهة التحرير المسرحية التي كان محمد بودية عضوًا مهمًا فيها، وقادها لتقديم عروضها الثورية في عدد من البلدان العربية، وقد كان من أعضائها عبد الحليم رايس، ومصطفى كاتب، وسيد علي كويرات وغيرهم.

وكان بودية هدفًا ثمينًا لجهاز “الموساد” الإسرائيلي. وذكرت بعض المصادر بأن أمر تصفيته جاء من أعلى الهرم القيادي، نظرًا للدور المحوري والنضالي الذي لعبه في خدمة القضية الفلسطينية، إضافة للعمليات الناجحة التي قام بها، أو كان له دور بارز في تنفيذها في أوروبا، انطلاقًا من منصبه كممثل لمنظمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومناضل حر معتنق للقضايا العادلة.

وبعد قيامه ومشاركته في عدد العمليات الناجحة والنوعية ضد الكيان الإسرائيلي، خاصة عملية أولمبياد ميونيخ، أطلقت غولدا مائير، رئيسة وزراء الاحتلال الإسرائيلي، عملية “غضب الرب”، التي تقضي بتصفية كل من شارك، أو وقف خلف عملية ميونيخ، ومن بينهم محمد بودية، الذي ذُكر في قائمة الاغتيال بتسمية “الرجل ذو الألف وجه”، ورغم الإمكانيات الكبيرة التي كان يملكها جهاز “الموساد”، غير أنه لم يستطع أن يصل إليه، وأسال لهم العرق البارد، خاصة وأن بودية كان يستعمل عددًا من الأسماء المستعارة. كما كان يختبئ في فرنسا خلف صفة المسرحي والمثقف المندمج في المشهد الفني الفرنسي، ولكن “الموساد” وصل إليه في نهاية الأمر، وما كان ليتم هذا إلا بتعاون خسيس ومفضوح ومباشر مع المخابرات الفرنسية، التي دلت على مكانه واسمه الحقيقي، ليتم تفخيخ سيارته من نوع “رينو 16″، لتنفجر به مباشرة بعد تدوير محركها في شارع “فوس برنار”، أمام المقر الجامعي في باريس، يوم 28 جوان سنة 1973.