تحل الذكرى الأولى لافتتاح جامع الجزائر الأعظم، هذا المعلم الإسلامي الشامخ، الذي أضحى منارة للعلم والفكر والتنوير، وفضاءً يحتضن قيم الإسلام السمحة، ويجسّد الهوية الوطنية الجزائرية في أبهى صورها. وبهذه المناسبة، شهد المركز الثقافي جامع الجزائر حفلا بهيجا تضمن سلسلة من المداخلات التي أبرزت مكانته الدينية والعلمية والثقافية، وسط تأكيد على دوره في تعزيز الوسطية والاعتدال، ومواجهة التحديات الفكرية المعاصرة.
واستهل العميد محمد المأمون القاسمي الحسني مداخلته، بالتأكيد على أن جامع الجزائر الأعظم ليس مجرد صرح معماري، بل هو حصن للهوية الوطنية، ومركز إشعاع ديني وثقافي، يسهم في مواجهة محاولات التنصير والتغريب، ويؤكد على مكانة الجزائر كدولة ضاربة الجذور في الإسلام. وأشار القاسمي، إلى أن هذا الجامع يحمل بين جدرانه ذاكرة الأجيال التي ضحت من أجل الجزائر، ليكون اليوم شاهدا على استمرار رسالة الدين والوطن. كما نوه، بدور المجلس العلمي للجامع، الذي يضم نخبة من العلماء والمفكرين، لمناقشة القضايا الفكرية وإحياء التراث الإسلامي وفق مقاربات حديثة. وأكد على دور المدرسة الوطنية العليا للعلوم الإسلامية في إعداد جيلٍ واع قادر على حمل مشعل الدين الوسطي، وتقديم حلولٍ علمية لقضايا الفكر المعاصر، إلى جانب نشر ثقافة الصيرفة الإسلامية عبر البحوث والندوات الأكاديمية. وختم مداخلته بالتأكيد، على أن جامع الجزائر يجسد رسالة الإسلام في التعايش والتسامح، مشددا على ضرورة الحفاظ عليه كفضاء لنشر الفكر المستنير، والتصدي للأفكار المتطرفة التي تحاول تشويه صورة الإسلام. من جانبه، أكد الشيخ مبروك زيد الخير، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، على أن جامع الجزائر الأعظم ليس مجرد مسجد، بل هو صرح علمي وحضاري يعكس هوية الجزائر الإسلامية وأصالتها. وتطرق إلى التحديات الفكرية التي تواجه الأمة الإسلامية، مشيرا إلى محاولات الغزو الإيديولوجي ومحاولات طمس الهوية. كما شدّد على أن الجزائر ظلت وفية لمبادئها رغم ما مرت به من محن واستعمار، وأن هذا الجامع يعد رمزا للوحدة الوطنية والنهضة الفكرية. ودعا إلى ضرورة استغلال هذا المعلم في نشر الفكر الوسطي وترسيخ القيم الإسلامية السمحة، من خلال برامجه التعليمية ومبادراته الثقافية، مؤكدا أن الأمة بحاجة إلى مؤسسات دينية قادرة على مواجهة تحديات العصر بحكمة ووعي. أما رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، السيد صالح بلعيد، فقد ركز في مداخلته على البعد التاريخي والحضاري لجامع الجزائر، معتبرا إياه ذاكرة حية تعكس تجذر الإسلام في الجزائر. وأشار إلى أن الجامع يُعد تتويجا لمسيرة الجزائر في الحفاظ على هويتها الإسلامية، مستذكرا محاولات الاستعمار الفرنسي لطمس الشخصية الجزائرية عبر مشاريع التنصير، التي فشلت أمام صمود الشعب الجزائري. وأشاد بلعيد، بالمكانة التي يحتلها هذا المعلم، باعتباره ثالث أكبر مسجد في العالم، وواحدا من أجمل الإنجازات المعمارية الحديثة التي تمزج بين الطابع الإسلامي الأندلسي والطراز المغاربي العريق. كما نوه بدور مكتبة الجامع، التي تطمح إلى احتواء مليون كتاب، ما يجعلها مرجعا علميا للباحثين وطلبة العلم. وختم مداخلت،ه بالتأكيد على أن جامع الجزائر ليس مجرد مكان لتأدية الصلاة، بل هو مؤسسة أكاديمية وثقافية متكاملة، تسهم في تثبيت الهوية الإسلامية، وتعزيز الوعي الديني، والتفاعل الإيجابي مع مستجدات العصر.
الشيخ محمود ديكو: جامع الجزائر مفخرةٌ للأمة الإسلامية

أما الشيخ محمود ديكو، مفتي مالي، فقد عبر في كلمته عن فخره بالمشاركة في هذه المناسبة، معتبرا جامع الجزائر الأعظم مفخرة للأمة الإسلامية، ورمزا لعظمة الإسلام وعراقة الحضارة الجزائرية. وأشاد الشيخ ديكو، بالدور الريادي للجزائر في دعم القضايا العادلة، ومساندة المستضعفين في العالم، مشيرا إلى أن مواقفها الثابتة تجاه نصرة الحق ليست غريبة على أرض الشهداء. كما استحضر أسماء شخصيات بارزة في التاريخ الجزائري، مثل العلامة عبد الحميد بن باديس، والأمير عبد القادر، والشيخ محمد عبد الكريم المغيلي، مؤكدا أن الجزائر كانت وستظل حصنا منيعا في وجه محاولات طمس الهوية الإسلامية. وختم مداخلته بالدعاء للجزائر حكومة وشعبا، راجيا من الله أن يحفظ هذا المعلم الإسلامي العظيم، ويجعله منارة لنشر قيم الإسلام المعتدل، وتعزيز مكانة الجزائر في العالم الإسلامي. وبعد مرور عام على افتتاحه، يواصل جامع الجزائر الأعظم أداء رسالته في نشر العلم والفكر الإسلامي الوسطي، ليكون منبرا يصدح بالحكمة، وميدانا للفكر المستنير، يرسّخ الهوية الإسلامية، ويواكب تطورات العصر.
إنه لا يعد بناء فخما شامخا فحسب، بل هو ذاكرة للأمة، وإشعاع ديني وحضاري، يجسد قيم الإسلام في التسامح والتعايش، ويؤكد على أن الجزائر كانت وستظل حصنا للإسلام الوسطي، ومنارة تضيء دروب الأجيال القادمة.
تغطية – محمد بوسلامة