في أجواء ثقافية إفريقية مميّزة، كان الموعد بالمسرح الوطني الجزائري “محيي الدين بشطارزي”، الاثنين، مع محاضرة قيّمة بعنوان: «تاريخ المسرح الموريتاني» قدّمها الكاتب والمخرج المسرحي الموريتاني سَلي عبد الفتّاح، الذي استعرض خلالها المراحل التاريخية التي مرّ بها المسرح في موريتانيا، وأهمّ التجارب التي أسهمت في ترسيخ هذا الفن كأداة وعيٍ وتنويرٍ في المجتمع.
وحضر اللقاء ثلّة من المهتمين بالمسرح والإعلام والثقافة، وتخلّلته نقاشات ثرية حول القواسم المشتركة بين التجربتين الجزائرية والموريتانية، وآفاق التعاون الثقافي بين البلدين الشقيقين.
وكانت عُرضت على خشبة المسرح الوطني الجزائري “محيي الدين بشطارزي”، مسرحية “ديبة”، ضمن فعاليات الدورة الرابع عشرة لمهرجان بجاية الدولي للمسرح، بمشاركة متميّزة من المعهد الوطني للفنون بموريتانيا، الذي قدّم عملاً مسرحياً حمل الكثير من الرمزية، والعمق الإنساني.
وعلى مدار خمسين دقيقة، نجحت مسرحية “ديبه” في تجسيد عمق الأدب الموريتاني المعاصر فوق الخشبة، من خلال نصّ ينبش في الذاكرة، ويكشف آلام مجتمع يعيش على حافة التحوّل دون أن يغادر تماما ثقل الثبات. المخرج سالي عبد الفتاح قدّم عملا دراميا حديثا تتشابك فيه السيرة الفردية مع الهم الجماعي؛ حيث يغدو البطل انعكاسا لواقع مثقل بالخذلان والتساؤلات الوجودية. وبُني النص على رموز دالة، ومحمّلة بالمعنى؛ كالناي المثقوب، وخطى التائهين في “نافلة الرحل”، لتُرسم من خلالها صورة لإنسان موريتاني يعيش في مأزق الزمن، يتأرجح بين توق دائم إلى الماضي ورغبة مكبوتة في التحرّر من ثقل الحاضر.
هذه الثنائية المتوترة بين الانتماء والانعتاق كانت المحرّك الأساسي للحبكة، ومصدر توترها الدرامي. والعمل تميّز بلغة مسرحية كثيفة، تنقل المتفرّج بين الواقعية الحادة والشاعرية العميقة عبر استخدام مزدوج للغة العربية الفصحى واللهجة الحسانية. هذا التنوّع اللغوي منح العرض نفسا محليا لا يخلو من البعد الإنساني الكوني. وفتح المجال لتشكيل لوحات مسرحية تتداخل فيها الموسيقى مع الصمت، وينسج الضوء والظلّ مشاهد تحاكي الذاكرة وتتقاطع مع الألم.
ب\ص