محاسبة النفس وعتابها

محاسبة النفس وعتابها

إن النفس البشرية آية مبهرة من آيات الله تعالى في خلقه، سرها غامض وأغوارها تشي بتناقضات ومنازلَ ومهابطَ شتى بين القمم والسفوح، وقد نبَّه القرآن الكريم على البحث والتنقيب عن أسرارها قدر المستطاع؛ فقال الله تعالى: ” وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ” الذاريات: 21، وذلك أمر في باب التبصر بالقلب لا مجرد النظر بالعين، تدبرٌ يُدرَك بالبصيرة النافذة إلى عمق النية لتزكيتها وإصلاح فسادها، فهذا هو الفلاح والنجاح الدائم الذي يورث رضا الله المولى؛ قال الله تعالى ” فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ” النازعات: 34 – 41، وأقسم الله تعالى أقسامًا متتاليةً على فلاح من أنصفها بالتزكية، وعلى خيبة من تركها لهواها؛ فقال الله تعالى ” وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ” الشمس: 1 – 10.

والنفس البشرية آية مبهرة من آيات الله تعالى، وهي لا تثبت على حال، ولا يقر لها قرار، متنقلة الأطوار بين معارجَ ومدارجَ بين الطاعات والمعاصي، والمرء لا يعرف على اليقين أين تكون نفسه؛ أفي مدرج علوي كالنفس المطمئنة أم في تسفل وانحطاط كالأمارة بالسوء. وأغلى مراتب النفس هي النفس اللوامة؛ وهي التي أقسم الله بها فقال ” وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ” القيامة: 2، وذكر القرطبي في الجامع: “وقال مجاهد: هي التي تلوم على ما فات وتندم، فتلوم نفسها على الشر: لمَ فعلته؟ وعلى الخير: لمَ لا تستكثر منه؟”. وأما النفس الأمارة فهي النفس المذمومة التي تأمر بكل سوء، وهذا من طبيعتها إلا ما وفقها الله وثبتها وأعانها، فما تخلص أحد من شر نفسه إلا بتوفيق الله له؛ كما قال تعالى حاكيًا عن امرأة العزيز ” وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ” يوسف: 53.