استذكر عدد من مجاهدي ولاية البليدة تاريخ إعلان وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962 بموجب اتفاقيات إيفيان الذي كان له صدى كبيرا وسط المجاهدين خلال تلك الفترة، الأمر الذي “قوبل آنذاك بفرحة كبيرة وتخوف من غدر فرنسا”.
أجمع عدد من مجاهدي الولاية على أن هذا التاريخ يشكل بالنسبة لهم مناسبة لاسترجاع ذكريات الفرحة التي عاشوها عقب الإعلان عن قرار وقف إطلاق النار تمهيدا للإعلان عن استرجاع السيادة الوطنية الذي كلل ثورة التحرير المجيدة، وتذكر رفقائهم في الكفاح الذين قدموا حياتهم فداء للوطن، الذين تمنوا أن يقاسموهم هذه الفرحة ويعيشوا في كنف الحرية التي “دافعوا من أجلها بالنفس والنفيس”. وأكد المجاهدون أن الإعلان عن القرار القاضي بوقف العمليات العسكرية في 19 مارس 1962 سواء من الجانب الفرنسي أو من جانب قيادة جيش التحرير الوطني “لم يعن بالنسبة لهم يومها استقلال الجزائر وخروج المستعمر، بل حرصوا على الالتزام بمواقعهم تخوفا من غدر العدو”. وفي هذا الصدد، روى المجاهد محمد جابري مجريات ذلك اليوم وكان موجودا يومها بالقاعدة الشرقية بناحية سوق أهراس التابعة للولاية الثانية والتي لا تبعد سوى ببضع كيلومترات عن الحدود الجزائرية- التونسية، قائلا إن الخبر “لم يكن مفاجئا لهم مثلما كان الشأن بالنسبة لرفقائهم بالجبال” لأنهم كانوا على دراية بالمفاوضات التي أفضت إلى اتخاذ قرار وقف إطلاق النار. وأضاف أن قيادة جيش التحرير الوطني أمرتهم برفع العلم الوطني عند منتصف الليل من ليلة 19 مارس 1962، وهو الأمر الذي تم تطبيقه بكل فرحة وفخر بعد سنوات من الكفاح والنضال، غير أن هذا الفعل لم يستسغه ضباط وجنود فرنسيون كانوا بالثكنة المجاورة لهذا المركز وطلبوا منهم الابتعاد عن الثكنة إلا أنهم لم يبالوا بهم ورفعوا الراية الوطنية عاليا، اعتزازا بما حققته الثورة المظفرة من بسالة وتضحيات أبناء الوطن. وبدوره، أكد المجاهد عبد الرزاق خشنة، المحكوم عليه بالإعدام من طرف جهاز قضاء المستعمر الفرنسي خلال الثورة التحريرية، أنه وباقي رفقائه المجاهدين علموا بقرار وقف إطلاق النار “صدفة” يوم 18 مارس 1962 من قبل أحد سكان القرى بولاية المدية، غير أن تعرض فوجهم لكمين من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية وإصابة أحدهم لم يترك لهم المجال للاهتمام بالأمر، ليتبين لهم في مساء ذلك اليوم صحة الخبر ودخول القرار حيز التنفيذ عند منتصف الليل من ليلة 19 مارس. وأضاف أنه وزملاءه “لم يتراجعوا عن النضال ولم يلتحقوا بعائلاتهم، خوفا من غدر فرنسا ونقضها للاتفاق نظرا لتاريخها الحافل بالخيانات”، وذلك إلى غاية الإعلان رسميا عن استقلال الجزائر يوم 5 جويلية 1962. وعلى عكس المجاهدين السابقين، تلقى المجاهد المحكوم عليه بالإعدام خلال فترة الاستعمار الفرنسي، عمر مدان، خبر إعلان وقف إطلاق النار عندما كان بسجن الحراش بالجزائر العاصمة من طرف محاميه الذي زف له هذا “الخبر السار الذي كان بمثابة بشرى خروجه وزملائه من السجن والانضمام إلى رفقائهم في الكفاح للاحتفال باسترجاع السيادة الوطنية”. وأضاف أن “فرحة وقف إطلاق النار تبعتها فرحة وقف قرار تنفيذ حكم الإعدام في حق جميع المسجونين والذي كان من ضمن أبرز شروط اتفاقيات إيفيان”، و أشار إلى أن “العديد من السجناء المحنكين سياسيا الذين كانوا معه بالسجن دعوا إلى عدم المبالغة في الفرحة لأن قرار وقف إطلاق النار لا يعني الاستقلال وكان يجب الحذر من فرنسا التي لطالما أخلفت عهدها مع الشعب الجزائري الذي ظفر بالنصر بنضاله وبسالته وتضحياته”.
وبنبرة حزينة، أكد المجاهد عمر مدان أن منذ تاريخ بلوغه ورفقائه خبر وقف إطلاق النار وإلى غاية خروجه من السجن يوم 25 ماي 1962، لم تغب عن مخيلته صورة الشهداء الذين ضحوا بحياتهم في سبيل استرداد السيادة الوطنية خاصة من تم تنفيذ حكم الإعدام في حقهم. وقال ذات المجاهد، إن أصوات هؤلاء الرجال وتكبيراتهم أثناء اقتيادهم إلى المقصلة لتنفيذ حكم الإعدام في حقهم لا يزال صداها في أذنه إلى غاية اليوم و لاسيما الجملة الشهيرة التي يوصون فيها بالحفاظ على الجزائر “كونوا رجال يا إخوان لا تنسوا أمانة الشهداء حافظوا على الجزائر المسقية بدماء الشهداء”. ويرى ذات المجاهد، أنه من واجبه ورفقائه تبليغ رسالة الشهداء لشباب اليوم الذين يدعوهم فيها إلى الحفاظ على الجزائر التي قدمت خيرة أبنائها ليعيشوا هم اليوم مرفوعي الرأس في كنف الحرية.
القسم المحلي