على مرِّ الأيام والسنين منذ العصر الجاهلي، ومرورًا بأفضل القرون، قرنِ النبي صلى الله عليه وسلم والقرون المفضَّلة بعده، ماذا كان واقع المجالس في ذلك الزمن؟ وعلى ماذا تحتوي؟ وماذا يقال فيها؟. كانت تمتازُ تلك المجالس بالأدب الكبير، والاحترام الجمِّ بإقامة كبير القوم في صدر المجلس، والتفسح في المجلس، والانتظام في طريقة الجلوس، وكانوا يحترمون الضَّيف، ويقدّمون له الجميل من حسن الاستقبال والضيافة والإنصات. قال ابن عباس “لِجليسي عليَّ ثلاثٌ: أن أرميَه بطرفي إذا أقبل، وأن أوسِّع له إذا جلس، وأُصغِي إليه إذا تحدَّث”. وعن جَرِير بن عبدِ الله رضي الله عنه قال: “قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجَّة الوداع: “استَنْصِتِ الناسَ”. وكان الحديث فيها يتناول حل مشكلات الناس، والتعاون والتشاور على دفع نوائب الدهر، وكانت تقال فيها الخطب الفصيحة والشعر العربي الجميل، لكن واقعنا الآن يشكل عكس هذه الأمور غالبًا، فماذا يكون فيها؟!. تجد صغار السن يجلسون في أي مكان شاؤوا، ويتحدثون متى أرادوا، ويقاطعون الكبير حديثه، إضافة إلى ما يدور فيها من سوء الكلام والغِيبة التي نهانا الله عنها؛ قال تعالى ” وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ” الحجرات: 12،
وكذلك السخرية من بعضهم البعض، والتفوُّه بأية كلمة دون مراعاة ما تحملُ من معنى، وعدم مراعاة حق الله فيها،وقد جاء في السنة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سَمِع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: “إن العبد ليتكلَّم بالكلمة ما يتبين فيها، يزلُّ بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب” متفق عليه. ناهيك عن وجود المعاصي والمنكرات الأخرى من التدخين، والقنوات الفضائية الماجنة، إلى أن وصل الحال بنا إلى عدم الكلام، وقد يظن الداخل إلى المجلس أن الموجودين من الصُّمِّ! فلا تسمع صوتًا، بل جميع الحضور مشغولون بالنقَّال، ومحادثة أناس بعيدين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي ابتلي بها كثيرٌ من الناس، ويعتبرُ ذلك فعلاً مذمومًا، ومن خوارم المروءة؛ لانشغالك بالبعيد وإهمالك لمَن هو مقابلك وبجانبك، فيجب أن ننتبهَ من غفلتنا، ونبادر في ترك هذا الأسلوب الشائن في الجلوس في المجالس العامة، وننصح مَن وقع منه هذا الفعل، ونعود بمجالسنا إلى مجالس ذكرٍ وأدبٍ وحوار بنَّاء، مجالس شائقة تعودُ على مُرتَادِيها بالنفع والفائدة.
من موقع الالوكة الإسلامي