اختاروا العمل الخيري بعد تجارب قاسية

متطوعون.. من حياة عادية ساكنة إلى حركة يومية دائمة

متطوعون.. من حياة عادية ساكنة إلى حركة يومية دائمة

يعتبر العمل التطوعي سلوكا إنسانيا بالدرجة الأولى لما يقدمه من مساعدات للآخرين، فمساعدة المريض تساهم في شفائه، ومدّ يد العون للفقير تفرج كربته وتزيح ضائقته، وإطعام جائع غدرت به الحياة وحرمته من حرارة الجو الأسري تعيد له الأمل.

أحيا العالم، نهاية الأسبوع الماضي، اليوم العالمي للتطوع، وبالمناسبة حاولت “الموعد اليومي” تسليط الضوء على هذا السلوك النبيل باستطلاع رأي جمعيات دخلت مجال الفعل الخيري؛ بسبب تجارب قاسية تعرض لها القائمون عليها، فتحولت حياتهم العادية الساكنة إلى حركة يومية دائمة، الهدف منها تقديم يد العون لأكبر عدد من المحتاجين.

جمعية “سوق” هي جمعية شبانية بالدرجة الأولى أسسها مجموعة من الشباب، اختاروا المستشفيات لتقديم المساعدة، فكان هدفهم الأطفال المرضى بتنظيم رحلات لهم وتقديم هدايا في المناسبات والأعياد، وبرمجة دورات تثقيفية وترفيهية ببهو المستشفيات بهدف رفع معنويات هذه الشريحة، وإبعادها ولو للحظات قليلة عن رائحة العلاج ووجع الحقن.

 

الفقدان والحرمان بداية التحول

“منير سلامي” واحد من بين هؤلاء الشباب يروي التحاقه بجمعية “سوق” في صيف 2009، يقول إنه كان شخصا عاديا عندما يتسنى له مساعدة أي شخص يفعل ذلك، ويكون ذلك بين حين وآخر وكثيرا ما كانت المدة بين المساعدتين تصل إلى أشهر وحتى سنوات، إلى أن مرضت والدته ونقلت إلى المستشفى وتبين بعدها أنها مصابة بسرطان الرحم وكان المرض في مراحله الأخيرة، فكان دائم التردد مع والده على مركز بيار وماري كوري بسبب جلسات العلاج الكيميائي، يقول إن مرض الأم كسر ظهره وأفقده طعم الحياة، خاصة وأنه كان يدرك أن هذا المرض لا يرحم، ناهيك أن حالة والدته كانت ضمن الحالات الخطيرة، وأثناء تواجده الدوري بالمستشفيات التقى بالجمعية صدفة عندما تزامنت جلسة علاج والدته بيوم احتفالي قدمته للأطفال المصابين بالسرطان بذات المركز، يروي كيف كان أعضاء الجمعية يزرعون الابتسامة على وجوه شاحبة أرهقها المرض، كان يتأثر كثيرا ويتذكر والدته، توطدت بعدها علاقته بأحد أعضائها وأصبح صديقا له، واقترح عليه الالتحاق بهم فوافق، وازداد عزمه على فعل الخير، بعد فقدانه لوالدته، يقول إن الفعل الخيري داخل الجمعية كان له دور كبير في منحه القوة لتقبل هذا المصاب، ليزيد حبه أكثر للفعل التطوعي، وأصبح يسافر مع أعضاء الجمعية إلى عدة ولايات، ويضيف أنه اليوم لا يشعر بالراحة إلا عندما يلمس سعادة الأطفال المرضى وهم يضحكون، فالموت فرحا أحسن من الموت ألما ووجعا حسبه، وهو الهدف الذي رسمه بحياته بأنه سيبقى يساهم في زرع الابتسامة إلى أن يصل إلى المكان الذي سبقته إليه والدته.

وغير بعيد عن المرض الخبيث، اختارت السيدة ميمي رئيسة جمعية “الفجر” خدمة الآخرين وتقديم مساعدة للمصابين بهذا الداء المميت، بفتح أبواب الجمعية لكل المرضى بهدف اقتناء أدوية أو الحصول على تسهيلات للاستفادة من جلسات العلاج الكيميائي، وكان اختيارها لهذا السلوك الإنساني هو إصابتها بسرطان الثدي، أين تم استئصال إحدى ثدييها، منذ أكثر من 10 سنوات على الرغم من أن المرض كان في بدايته، فكان لهذا الحدث تأثير كبير، في البداية أدخلها في حالة من الحزن مثلها مثل بقية المرضى، إلا أنه بمرور الوقت حوّل ضعفها إلى قوة وصمود، ترجمته في إصرارها على تأسيس جمعية للمصابين بالسرطان، وهي تقدم مساعدات للمرضى عبر الولايات، وحتى المنخرطين بالجمعية وأعضائها الدائمين الذين ينشطون بمختلف الولايات سبق لهم وتعرضوا لإصابات على غرار نسرين التي تعمل في نفس الجمعية، وفضّلت الانخراط بها بعد إصابتها بسرطان الدم، وتماثلت للشفاء بعد سنوات من العلاج، ولم يمنعها الشفاء من ترك العمل الخيري بل زادها إصرارا على إنقاذ حياة الكثيرين بالسعي لتوفير لهم الأدوية في وقتها والالتزام بمواعيد العلاج الضرورية.

وإذا كان المرض واحدا من بين أهم الأسباب التي تدفع الناس لإنقاذ حياة بعضهم، فهناك من اختار العمل الخيري في مجالات أخرى مثلما فعله رئيس جمعية الأفاق مسعود عزة الذي اختار أن يقوم بمساعدة المقبلين على الزواج، والفكرة ترسخت في ذهنه بعد أن عاش حياة الفقر ووجد صعوبات في إكمال نصف دينه وعندما تيسرت أموره، أول ما فكر فيه هو مساعدة غيره فحوّل جزءا من منزله ببرج الكيفان إلى مكتب لاستقبال المقبلين على الزواج، لتقديم ما يحتاجونه من مستلزمات للزفاف، ولا يشعر بالفرح إلا وهو يشاهد ابتساماتهم التي يخرجون بها من المكتب وبحوزتهم ما كان ينقصهم لإتمام نصف دينهم.

للتذكير، فإن يوم التطوّع العالمي الذي يُحتفى به في 5 ديسمبر من كل عام يعد فرصة للاحتفال وشكر الناس في جميع أنحاء العالم الذين يكرّسون وقتهم الثمين وجهودهم للخدمة التطوعية، وهو يوم للمطالبة باحترام المتطوعين في المجال الإنساني وحمايتهم ودعمهم في عملهم المنقذ للحياة، ويعود الاحتفال باليوم العالمي للتطوع إلى عام 1985 عندما حددت الأمم المتحدة يوم 5 ديسمبر يومًا للاحتفال بجهود المتطوعين والمنظمات التي تعمل من أجل إحداث تأثير إيجابي على المجتمع، وكان قرار تخصيص يوم للمتطوعين أو يوم التطوع العالمي بمثابة شهادة على الدور المهم الذي يلعبونه في مواجهة مختلف التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.

ق. م