“بابيشا” للمخرجة الجزائرية مونيا مدور (المقيمة في فرنسا) هو في الواقع فيلم فرنسي لمخرجة جزائرية، فجميع عناصره من الإنتاج إلى التصوير والموسيقى والمونتاج والصوت والأزياء.. الخ عناصر فرنسية، وفيه تعكس مونيا مدور نظرة “نسائية” (فيمنست) غاضبة تركز على خصوصية وضع المرأة في مجتمع ذكوري تعلو فيه سلطة الرجل الذي يستخدم الدين الإسلامي لتبرير استبعاد المرأة وتطويعها بل واضطهادها.
وأول ما يمكن أن نلمحه بوضوح في هذا الفيلم هيمنة اللغة الفرنسية على الحوار ربما لتأكيد هوية الفيلم “الفرنسية” إرضاء لتوجهات الإنتاج، مع تهميش اللغة العربية وجعلها تنحصر فيما تنطق به شخصيات المتطرفين الإسلاميين ودعاة العنف.
وهنا نلحظ التأكيد المقصود على أن اللغة العربية هي لغة للصلاة والأذان والخطاب الإسلامي عموما وليست لغة عصرية تصلح للتخاطب اليومي، وبطلة الفيلم الشابة “نجمة” (التي يطلقون عليها “بابيشا”) لا تنطق بجملة واحدة من اللغة العربية الجزائرية الدارجة، بل تلتصق بالفرنسية باستثناء بعض الكلمات الصغيرة العابرة التي سرعان ما تمزجها بالفرنسية.
وبوجه عام يعبر الفيلم عن العشرية السوداء في الجزائر بشكل سطحي تشوبه السذاجة، وتبدو المخرجة مدفوعة بفكرة مسبقة تريد فرضها على الفيلم فرضا وهي أن المرأة أقوى من الرجل، وأكثر رغبة في التحرر بينما الرجل بطبعه إقطاعي، خاضع، تقليدي، متعصب، قمعي.
وتبدو جميع شخصيات الرجال في الفيلم إما أوغاد مثل حارس السكن الذي يحاول ابتزاز نجمة ثم اغتصابها بالقوة، أو متطرفون يرغبون في فرض الحجاب على الفتيات بالقوة، ويتكرر كثيرا مشهد تعليق لافتات تحث الفتيات على ارتداء الحجاب في الجامعة، ثم يقول الفيلم أيضا إن اغتيال “ليندا” -شقيقة نجمة- كان نتيجة عدم ارتدائها الحجاب، حيث تطلق عليها فتاة متشددة الرصاص ثم تهرب في حين أنها تترك نجمة نفسها دون أن تتعرض لها.
ويتخذ موضوع الحجاب واللغة العربية في الفيلم أبعادا تتفق مع المنظور الفرنسي للتطرف الإسلامي.
وتأكيدا لفكرة أن اللغة العربية هي لغة متخلفة رجعية ترتبط بالدين، نرى في أكثر من مرة هجوم مجموعة من فتيات الجماعة الإسلامية على نجمة وزميلاتها وتهديدهنّ وترديد هتافات متشنجة ضد اللغة الفرنسية والدفاع عن “لغة القرآن”.
وتستخدم نجمة “الحايك” وهو الزي التقليدي للمرأة الجزائرية، يفترض أن يغطي جسدها ورأسها، وتتوصل إلى تصميمات جديدة له بحيث يعطي معنى عكس المقصود منه، أي إظهار الأنوثة بدلا من إخفائها، ثم تخطّط نجمة مع زميلاتها لعمل عرض أزياء في الجامعة، إمعانا في تحدي الجماعة الإسلامية.
وهو استخدام رمزي لجسد المرأة في الفيلم لإبراز الرغبة في التحرر، لكنها تنتهي عمليا إلى تقديم عرض هزيل مع تصميمات للحايك تفتقد للجمال.
ومشكلة الفيلم أنه يعرض بعض المشاهد المتفرقة التي قد تكون مستمدة من بعض الوقائع التي استمعت إليها المخرجة هنا وهناك، ولكن دون أن يتوفر لهذه الأحداث أو الوقائع، إن جاز التعبير أصلا، أساس درامي متين يسمح باستخدامها في الفيلم، وهي تنتقل بين المواقف المختلفة التي تمر بها نجمة وزميلاتها، وعندما لا تجد شيئا يطوّر الموضوع تصوّر الفتيات في وصلات من الرقص والغناء.
ويتم التعبير عن “الصراع” بين نجمة والواقع الذي تعانده دون أن نراه بشكل واقعي واضح، من خلال الحوار المتصل الذي لا يكاد يتوقف، وتركز الكاميرا في لقطات قريبة على وجه البطلة الشابة لينا الخضري (في دور نجمة- بابيشا) التي لا شك أنها تتمتع بالحيوية والقدرة على التعبير والحركة، لكن المشكلة أن شخصيتها في الفيلم سطحية.
ب/ص