قال البخاري بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة”، وقال: اقرؤوا إن شئتم: ” فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ” الكهف: 105، وروى البخاري في صحيحه بسنده، عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل عنده جالس: “ما رأيك في هذا؟”، فقال: رجل من أشراف الناس، هذا والله حري إن خطب أن يُنكح، وإن شفع أن يُشفع، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مر رجل آخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما رأيك في هذا؟”، فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب ألا يُنكح، وإن شفع ألا يُشفع، وإن قال ألا يسمع لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هذا خير من ملء الأرض مثل هذا”.
الحق أن موازين الرجال الحقيقية تختلف تمامًا عن تلك الأصول التي وضعتها لنا الأيام، وزادها نقص تأملنا في الحياة استقرارًا ونفوذًا، وكالعادة يأتي الإسلام ليضع النقاط على الحروف، ويقيم المعاني على حقيقتها بغير تزوير، وبكل ازدراء لعبوديتنا العادة والتقاليد التي تكون أحيانًا كثيرةً، جائرةً مخالفةً للفطرة والحق، هكذا الإسلام يزن الرجال بميزان الرجولة الصحيحة لا الْمُدَّعاة، يزن الإنسان بمعدنه الأصيل الذي يرتفع بارتفاع عقيدته وإنسانيته وأخلاقه، لا بالمال والجاه والنسب والعِرق، هكذا يعلم الإسلام الإنسان في مدرسته أن قمة الحرية الإنسانية في كمال عبوديته لربه؛ لأنه آنذاك يتحرر من رق كل شيء يُدنس تكريم الخالق العظيم له، يتحرر من رق الشهوات المهلكة الدنيئة، ومن رق العادات والتقاليد التي تهين العقل والروح، ومن رق الجهل والأخلاق الرديئة، والطغيان في الأرض، ينتقل بروحه إلى النور، وبعقله إلى التكريم، وبجسده إلى الطهارة، وبفعله إلى الخير، والعدل، والحق.