التبتل منه ما هو مشروع، ومنه ما هو ممنوع؛ فالمشروع هو ما جاءت نصوصُ الكتاب والسنَّة بالأمر به، والحث عليه، والترغيب فيه، ولذلك صور عدة، منها:
أولاً: تحقيق التوحيد، ونفي الشريك: قال تعالى “وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ” النحل: 36 ؛ أي: اعبدوا الله وحده لا شريك له، واجتنبوا الطاغوت بجميع صوره وأشكاله. قال ابن عاشور: “ومن أكبر التبتل إلى الله: الانقطاعُ عن الإشراك، وهو معنى الحَنِيفيَّة؛ ولذلك عقَّب قوله: ” وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ” بقوله: ” رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ”.
ثانيًا: الإخلاص في العبادة: قال تعالى “وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ” البينة: 5؛ أي: قاصدين بجميع عباداتهم الظاهرة والباطنة وَجْهَ الله، وطلب الزُّلْفى لديه، ” حُنَفَاءَ ” أي: معرضين عن سائر الأديان المخالفة لدين التوحيد. وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ” وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ” قال: أخلِصْ له إخلاصًا.
ثالثًا: الإخلاص في الدعاء: قال مجاهد رحمه الله في قوله تعالى” وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ” المزمل: 8 قال: أخلِصْ إليه المسألةَ والدعاء. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما “إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعنْ باللهِ”.
رابعًا: الإخلاص في الدعوة: قال قتادة رضي الله عنه في قوله تعالى ” وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ” قال: أخلص له العبادة والدعوة. فالدعوة تكون خالصة لوجه الله؛ قال تعالى” قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ” يوسف: 108، وقال تعالى” وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ” فصلت: 33.
خامسًا: تفرغ القلب للعبادة: قال ابن وهب رحمه الله في قوله تعالى” وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ” قال: تفرَّغ لعبادته، فحبذا التبتل إلى الله، وقرأ قول الله تعالى ” فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ” الشرح: 7، قال: إذا فرغت من الجهاد، فانصَبْ في عبادة الله، وإلى ربِّك فارغَبْ.