من رحمة الله بعباده أن يفتح لهم باب التوبة، وأن يقبل عثرة المذنب، ويفسح له الأمل ولا يوئسه من رحمته ولا يغلق الباب في وجهه. فقد أمر عباده جميعاً ومنهم المؤمنون بالتوبة فقال ” وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” النور: 31، والتوبة بحد ذاتها عبادة وذكر ولو لم يكن من المؤمن ذنب ظاهر، فإن الإنابة إلى الله وإظهار الخضوع له وبيان التقصير عن أداء واجب الشكر على نعم المولى جل جلاله. هذه الإنابة إلى الله عبادة، وإظهار هذا الخضوع له عبادة، لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس، توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مئة مرة” رواه مسلم. فإذا كانت مطلوبة من الذي لم يقترف ذنباً ولم تقع منه معصية، فكيف بمن يقع بالذنوب والمعاصي ليل نهار؟ لا شك أن التوبة في حقه أوجب. ومن شروط التوبة: على المذنب أن يبادر بالتوبة والندم، والعمل على تكفير السيئة بحسنة تدفعها ” إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ” هود: 114. وإن كان الذنب بين العبد وربه، يشترط للتوبة ثلاثة شروط:
– الإقلاع عن الذنب: بترك كل محظور هو ملابس له، فإن البقاء على مقارفة الذنب، تناقض وكذب. كيف يقول إنه يرجع عن الذنب وهو مستمر عليه.
– الندم على ما فرط فيه: من المآثم التي استجاب فيها لداعي الهوى وأطاع الشيطان وعصى ربه الرحمن، ومن تمام الندم وصدق صاحبه أن يشعر بألم الندم وطول الحسرة والحزن، وأن يسكب الدمع كلما تذكر ذنوبه، وأن تتمكن مرارة تلك الذنوب في قلبه بدلاً من حلاوتها.
– العزم على عدم العودة إلى الذنوب عامة وإلى ما اقترفه خاصة: بأن يعقد عقداً مؤكداً مع الله سبحانه وتعالى، ويعاهده عهداً وثيقاً أن لا يعود إلى تلك الذنوب ولا إلى أمثالها، فإن الذي يزعم أنه يتوب إلى ربه وفي نيته أن يعود إلى الذنب قريباً أو بعيداً كالمستهزئ بربه المستهتر بعهده وميثاقه ” فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ” النور: 63، وإذا كانت المعصية تتعلق بحق من حقوق العباد كاعتداء على شخص أو أكل ماله أو التعرض لعرضه، يزاد شرط رابع وهو الاستبراء والتخلص من حق الشخص بالمسامحة أو المقاصة أو التعويض، فإن فاته الشخص لسبب ما، فإن كان الحق مالياً فليتصدق بمقداره عنه، وإن كان غير ذلك فليستغفر لصاحبه ويدعو له. وإذا توفرت هذه الشروط في التوبة سميت نصوحاً، ويرجى أن يكون صاحبها من الذين قال الله تعالى فيهم ” إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ” الفرقان: 70.