أولًا: إن الله يحب المتقنين: اعلموا أن الله تعالى حثَّكم على الإتقان، فقال عز وجل ” وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ” البقرة: 195. هذا الإحسان هو الإتقان والإحكام، وهذه القضية وهي تجويد شيء وإحسانه وإتقانه، من المطالب الشرعية العظيمة في ديننا، والمتأمل في التكاليف والفرائض والأوامر، يجدها مبنية على أساس محكم ألا وهو الإتقان الذي هو سمة أهل الإيمان؛ عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: شَهدت مَعَ أَبِي جَنَازَة شَهِدَهَا رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا غُلاَمٌ أَعْقِلُ وَأَفْهَمُ، فَانتُهي بِالْجَنَازَةِ إِلَى الْقَبْرِ وَلَمْ يمكَّن لَهَا، قَالَ: فَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “سَوُّوا لَحْدَ هَذَا”، حَتَّى ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ سُنَّة، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِم، فَقَالَ: “أَمَا إِنَّ هَذَا لاَ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَلاَ يَضُرُّهُ، وَلَكِنَّ اللهَ يُحِبُّ مِنَ الْعَامِلِ إِذَا عَمِلَ أَنْ يُحْسِن”، وفي لفظٍ: “ولكن أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يُتقنه” أخرجه البيهقي.
ثانيًا: أن إتقان العمل اتصاف بصفة من صفات الله جل جلاله وعظم سلطانه: الإتقان أيها الآباء صفة من صفات رب الأرض والسماء، فهو الذي أتقن كل شيء خلقة وأحسن كل شيء أبدعه؛ قال الله تعالى ” صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ” النمل: 88، فأحسَنه وجوَّده وأتقنه، والذي يتأمل إتقان الله تعالى لمخلوقاته، وكيف أنه أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، لَهَتَف: لا إله إلا الله.
ثالثًا: إن الإتقان ثمرة من ثمرات المراقبة لله تعالى: اعلم أن الإتقان ثمرة من ثمرات المراقبة لله تعالى، وأن ما نقوم به من عمل، فإن الله تعالى مطلع عليه إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، فالمسلم الحق هو الذي لا يراقب مديرة ولا رئيسه في العمل، بل يراقب الله تعالى، وتلك هي المراقبة الذاتية ” وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ” يونس: 61. رابعًا: إن إتقان العمل سبب من أسباب رُقي الأمم والتمكين للأمة في الأرض: إن إتقان العمل سبب من أعظم أسباب الرقي والتمكين في الأرض، فالمنهج الصحيح مع الأخلاق الفاضلة، والقوَّة المادية والعلمية الممكنة، والتوكُّل على الله عزَّ وجلَّ.