لكل إنسان في هذه الحياة سلوكٌ وأعمالٌ يقوم بها في الظاهر أمام الناس، وسلوك وأعمال يقوم بها في الباطن وبينه وبين نفسه، وتختلف تلك الأعمال، هل هي أعمالُ خيرٍ أو شرٍّ؟
وفي ديننا الإسلامي الحنيف يحثُّنا الشارع على فعل الخير والأعمال الصالحة في الظاهر وفي السرِّ، وقد رتَّب على أعمال الخير في السرِّ أجورًا، ورغَّب فيها؛ قال تعالى: ” إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ” الملك: 12، وذلك في جميع أمور العبادة، وفي كل الأوقات والأماكن، وفي خلوة الإنسان التي لا يعلم بها إلا الله. ولقد جاء في القرآن قوله تعالى في فضل إخفاء الصَّدَقة؛ وهي من الأعمال الجليلة المتعدي نفعُها للآخرين ” إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ” البقرة: 271؛ وفي حديث السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظلِّه أعمالُ خيرٍ خفيَّة عن أعين الناس؛ وهي رجل قلبه مُعلَّق بالمساجد؛ حيث لا يعلم تعلُّق قلبه بالمسجد إلا الله، كذلك الذي تصدَّقَ حتى لا تعلم شمالُه ما تنفق يمينُه، ولا يعلم بعمله هذا في توزيع الصَّدَقة على الناس إلا الله، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضَتْ عيناه، فهو لم يتصنَّع البكاء أمام أحد ولم يُر؛ بل في مكان خالٍ لا يراه إلا الله سبحانه وتعالى. ولقد كان لسلفنا الصالح خيرُ مثالٍ لتطبيق تلك الفضائل، فقد جاء عن طلحة بن عبيد الله أنه قال خرج عمر مرة في سواد الليل، فدخل بيتًا، فلما أصبحت ذهبت إلى ذلك البيت، فإذا عجوزٌ عمياء مقعدة، فقلت لها: ما بال هذا الرجل يأتيك، فقالت: إنه يتعاهدني مدة كذا وكذا، يأتيني بما يُصلحني، ويخرج عني الأذى، فقلت لنفسي: ثكلتك أمُّكَ يا طلحة، أعثرات عُمَر تتبَع؟! فكان عمر يقوم بهذا العمل الفاضل بنفسه، لا يعلم به إلا الله. وفي زين العابدين علي بن الحسين بن علي خيرُ مثالٍ في أعمال البرِّ الخفيَّة، فلقد ذكر عنه أنه كان يحمل الخبز بالليل على ظهره، يتبع به المساكين في الظُّلْمة، ويقول: إن الصَّدَقة في جوف الليل تطفئ غضب الرب، وكان ناس من أهل المدينة يعيشون، لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين، فقدوا ذلك الذي كانوا يؤتون بالليل، ولما مات علي بن الحسين وجدوا بظهره أثرًا ممَّا كان ينقل الجُرُبَ بالليل إلى منازل الأرامل.