لقد نهى الإسلام عن التغالي في الرِّبْح، وعن الفحْش في الكسب؛ لأنَّ قلَّة الربْح مع كثرة البَيْع تؤدِّيان إلى وفْرة المكسب مع التيْسير على المُسلمين، وكان عليُّ بن أبي طالب يدورُ في سوق الكوفة ويقول: معاشرَ التُّجار، خذوا الحقَّ تَسْلموا، ولا تردُّوا قليل الربح فتُحرموا كثيرَه. وإذا كان الجالب مُجاهدًا في سبيل الله لأنَّه يرفع الحرجَ عن الناس وييسِّر لهم أمورَ معاشِهم، فإنَّ المحتكر خارجٌ على دين الله، كافرٌ بنعمة الإسلام، كما يقرِّر الرسولُ صلَّى الله عليه وسَلَّم في الحديث نفسِه. والاحتِكار هو: شراء طعامٍ ونحوٍه وحبسُه إلى الغلاء أربعين يومًا، أو شراء القُوت في وقت الغلاء ليُمْسِكه ويبيعه بعد ذلك بأكثرَ من ثمنِه للتضييق حينئذ، بِمعنى أنَّ الاحتكار هو حبْس الشَّيء انتظارًا لغلائِه، وهو الأمر المرادف للامتناع عن البيع. ويرى الدكتور محمد سلاَّم مدكور في كتابه “الاحتكار وموقف التشريع الإسلامي منه” أنَّ الاحتِكار المحظور في الشريعة الإسلاميَّة هو: حبس أيِّ شيءٍ تشتدُّ حاجة النَّاس إليْه، ويستعملونه في حياتِهم، ويتضرَّرون من حبْسِه عنهم، ويستوي في ذلك أن يكون ذلك الحبس نتيجةَ شراء أو اختزان، وأن يكون الشراء في مِصْرٍ أو غيرِ مِصْرٍ، وأن يكون ذلك الشيء طعامًا أو غير طعام، ويشمل ذلك ما اشتراه في وقت الرُّخْص؛ ليرفع سِعْره، ويُغليه على النَّاس عند الضيق والاحتياج.
وهو ما يتَّفق مع قول أبي يوسف: كل ما أضر بالنَّاس حبسُه فهو احتكار، وإن كان ذهبًا أو ثيابًا. والأحاديث الواردة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في النهي عن الاحْتِكار وإظهار بشاعة جريمتِه كثيرة، نذكر منها: “الجالب مرزوقٌ والمحتَكِر ملعون” رواه ابن ماجه والدارمي. والإسلام يُحارب الاحتكار لما فيه من إهدارٍ لحريَّة التِّجارة والصناعة، وتحكُّم في الأسواق يَستطيعُ معه المحتكِر أن يفرِض ما شاء من أسْعار على النَّاس، فيُرهِقُهم ويُضاربُهم في معاشِهم وكسْبِهم، فوق أنَّهُ يسدُّ أبواب الفُرَص أمام الآخَرين ليعملوا أو يرتزقوا كما يرتزق المحتكِر، ويقتل روح المنافسة التي تؤدِّي إلى الإتْقان والتفوُّق في الإنتاج. وقد رأيْنا بعْضَ المحتَكِرين يلجؤون إلى إتلاف فائضِ إنتاجِهم أو تخزينها لرفْع الأسعار، دافعه إلى الاحتكار الجشَعُ والسعي وراء كسب حرام، والاتِّجار في آلام البشَر الذين يَموتون في سبيل أن تزيدَ أرباح المحتكِر. إنَّ الاحتِكار جريمةٌ ضدَّ الإنسانيَّة تستوجِبُ الطَّرد من رحمة الله؛ ولذلك قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم “الجالب مرزوق والمحتكر ملعون”. رواه ابن ماجه.