قدمت دراسة تمريضية أمريكية حديثة شيئاً من الدعم لجدوى تأخير قطع الحبل السُرّي بضع دقائق بعد ولادة الطفل؛ وذلك لإعطائه فرصة لكسب عدد من الفوائد الصحية.
هذا، وما تزال أوساط طب الولادة تبحث في الوقت الأفضل لإجراء قطع الحبل السُرّي، وما هي الفوائد التي يجنيها الطفل المولود حديثاً من تأخير ذلك.
تركيب وظيفي
الحبل السُرّي يُعتبر الرباط بين الجنين وأمه طوال فترة الحمل، ويمتد من فتحة السرّة في بطن الجنين إلى المشيمة الملتصقة كالقرص على بطانة الرحم. ولدى الجنين المكتمل النمو، يبلغ طول الحبل السُرّي نحو 50 سنتيمتراً، وقطره نحو سنتيمترين، ويجري فيه شريانان ووريد، وتتدفق من خلالها كمية دم تقارب ربع لتر في الدقيقة. وتشريحياً، تكون هذه الأوعية الدموية محاطة ومحمية بمادة لاصقة تدعى جيلي وارتون، تغلفها جميعاً طبقة من غشاء أمنيوني، ليتكون الحبل السُرّي من هذه العناصر الأربعة، أي وريداً واحداً وشريانين ومادة جيلي وارتون والغشاء المُغلّف.
ويعمل الحبل السُرّي على القيام بمهام عدة، ومن أهمها تزويد الجنين بالأوكسجين والعناصر الغذائية اللازمة لحياته وتطور نمو بنية أعضائه، وأيضاً تنقية الجنين من ثاني أكسيد الكربون وغيره من النفايات التي تتراكم في جسمه. وهذه العمليات التبادلية، التزويد والتنقية، تتم من خلال شريانين يخرجان من جسم الجنين مُحملين بالمواد الضارة المُراد تخليص جسم الجنين منها، ويجري هذان الشريانان داخل الحبل السُرّي ليصلا إلى المشيمة. وفي المشيمة يتم استخلاص تلك المواد الضارة من دم الجنين، ثم يتم بعد ذلك تزويده بالأكسجين والعناصر الغذائية. وبعدها يعود دم الجنين من المشيمة عبر وريد كبير يجري داخل الحبل السُري، ليصل إلى فتحة السرّة، ويدخل الدورة الدموية للجنين كي يتم توزيعه على الأعضاء المختلفة في جسمه لتستفيد منه.
وقرب نهاية الحمل، تسمح المشيمة لمجموعة من الأجسام المضادة بالمرور عبر الحبل السُرّي لتدخل إلى جسم الجنين وتعطيه أنواعاً من المناعة يستفيد منها خلال الأشهر الستة الأولى من عمره في مقاومة إصابته بعدد من الأمراض الميكروبية.
تأخير قطع الحبل السُرّي
وخلصت هذه الدراسة الحديثة، من جامعة رود آيلاند بالولايات المتحدة، إلى أن التأخير لمدة خمس دقائق في قطع الحبل السري للطفل بعد الولادة يؤدي إلى منفعتين صحيتين له، الأولى زيادة مخزون معدن الحديد في جسمه، والأخرى زيادة توفر مادة مايلين الدماغ في جهازه العصبي، بما له من تأثيرات إيجابية مهمة للتطوير الوظيفي المبكر لدماغ الطفل.
الحديد ومايلين الدماغ
وأضافت قائلة: «تظهر دراستنا أن الانتظار خمس دقائق أو أكثر قبل قطع الحبل السري، يؤدي إلى المزيد من تكوين المايلين، كما يمكن أن يُخفف من نقص الحديد لدى الطفل وتعرضه لفقر الدم». واستطردت مضيفة: «لم تنشر أي دراسات أخرى بحثت في ارتباط توقيت قطع الحبل السري مع مدى التطور المبكر لدماغ الطفل، وبالتحديد حجم المايلين في جهازه العصبي. وما كان مختلفاً بشكل كبير في دراستنا هو كمية الحديد وحجم المايلين في الدماغ لدى الأطفال الذين تم تأخير قطع حبلهم السُرّي، وهو ما تم توثيقه بواسطة التصوير بالرنين المغناطيسي ونتائج اختبارات النمو العصبي.
والمايلين مادة دهنية في الدماغ، تغلف وتلتف حول جميع محاور الخلايا العصبية.
وقالت البروفيسورة إريكسون أوينز: «إن المايلين طبقة عازلة ومهمة للغاية في تسهيل سرعة نقل الرسائل عبر الخلايا العصبية في الدماغ. ومن المفترض أنه كلما كان تغليف المايلين أفضل، كان عمل الدماغ أكثر فاعلية. ومناطق الدماغ التي تتأثر بزيادة توفر المايلين هي مناطق مرتبطة بالتصنيع الحركي والوظيفة الحسية والتطور البصري. وهذه كلها من المهم تطويرها في المرحلة المبكرة من عمر الطفل”.
خطوات تتم بعناية
– بعد الولادة بقليل، تقوم القابلة بقطع الحبل السُرّي. وتجدر ملاحظة أنه لا توجد أعصاب في الحبل السُرّي؛ لذلك لا يكون قطعه مؤلماً بالنسبة للأم أو للطفل. ولأن الحبل السُرّي هو بالفعل حبل قوي البنية، ويُشبّه طبياً بوتر العضلات في صلابته، ولأن الدم يمر من خلاله، فإن إتمام قطعه يتطلب استخدام أداة حادة بشكل مناسب، ويتطلب أن يتم القطع بطريقة صحيحة؛ لضمان عدم التسبب بفقد الجنين كمية من الدم، وضمان نظافة تعقيم الجرح المتصل بشكل مباشر مع جسم الجنين حديث الولادة.
وبالتالي، يتم إجراء قطع الحبل السُرّي عبر الخطوات التالية:
– يتم أولاً شد الحبل السري بمشبك بلاستيكي معقم على مسافة تتراوح ما بين 3 و4 سم من سرّة الجنين.
– ثم يتم وضع مشبك بلاستيكي آخر في الطرف الآخر من الحبل السُرّي بالقرب من المشيمة.
– ثم يتم قطع الحبل السُرّي في المنطقة ما بين المشبكين، تاركاً قطعة من “بقايا الحبل السُرّي” بطول ما بين 2 و3 سم أو أكثر، على بطن الطفل. وهذا سيشكل في المستقبل سرّة بطن الطفل عندما تلتئم.
– وفي الغالب، يجف جرح السُرّة خلال فترة ما بين 5 و15 يوماً بعد ولادة الطفل، ويتحول لون «بقايا الحبل السُرّي» إلى اللون الأسود، ثم يسقط تلقائياً دون الحاجة إلى نزعه. ثم بعد سقوط بقايا الحبل السُرّي، يستغرق الأمر ما بين 7 و10 أيام حتى تشفى تماماً منطقة سُرّة بطن الطفل.
وخلال كل هذه الفترة، يجدر الاهتمام بنظافة تلك المنطقة واتباع نصائح الطبيب حول كيفية العناية بها لإبقائها جافة ونظيفة، ويجدر أيضاً المبادرة بمراجعة الطبيب عند ملاحظة أي نزيف دموي، أو أي تغيرات قد تشير إلى حصول التهاب ميكروبي، مثل الاحمرار أو خروج الصديد أو ارتفاع حرارة جسم الطفل.
مقارنات بين التبكير والتأخير
تفيد نصائح منظمة الصحة العالمية بأن الأفضل قطع الحبل السُرّي في فترة ما بين دقيقة وثلاث دقائق بعد ولادة الطفل. ولا يُنصح بالقطع المبكّر للحبل السُرّي، أي ما بين 10 و30 ثانية من عمر الطفل، إلا في حالة وجود اختناق المولود التي تحتاج إلى إجراء عملية إنعاش فوري له.
أما “القطع المتأخر للحبل السُرّي” فيتم طبياً تعريفه، بأنه الذي يتم إجراؤه في الفترة ما بين 25 ثانية وخمس دقائق من عمر المولود، وهو الإجراء الذي يسمح باستعادة الطفل كمية دم من المشيمة بحجم يُقارب ثُلث حجم دم جسمه؛ ما يرفع من مخزون الحديد لديه. وهذا مفيد جداً على وجه الخصوص في حالات الولادة المبكرة، أي ولادة الطفل قبل بلوغ عمر 36 أسبوعاً من عمر الحمل. وبالنسبة للأطفال الطبيعيين، يُفيد هذا التأخير في تزويد جسم المولود بزيادة مقدارها 60 في المائة في عدد خلايا الدم الحمراء، وفي زيادة حجم الدم بمقدار 30 في المائة، وفي تقليل احتمالات إصابة الطفل بفقر الدم الناجم عن نقص الحديد وتجدر الإشارة إلى أن نقص مخزون الحديد في جسم الطفل المولود يُعتبر طبياً أمراً ذا أثر سلبي بالغ على نمو القدرات العقلية للطفل، وعلى التطور الطبيعي للجهاز العصبي لديه.
ق. م