ما هو التدين الحقيقي ؟

ما هو التدين الحقيقي ؟

إن أعلى شيء يطمع أن يصل إليه المؤمن في دينه أن يكون تدينه تدينًا حقيقيًّا، لا تدينًا ظاهريًّا، ففرقٌ كبير بين التدين الحقيقي والتدين الظاهري؛ التدين الظاهري له صور كثيرة: يصلي في المسجد أو في بيته، يطبق بعض السنن، يجتنب بعض المنكرات والمكروهات، لكنه لا يتورع عن النيل من الآخرين، أو السعي في ضررهم، أو تشويه سمعتهم، أو منافستهم على حقوقهم. ينسى دينه لأجل دنياه، وتذهب تلك العبادات التي يتظاهر بها أدراج الرياح، وهو يصف نفسه لنفسه بأنه متدين، ومن عباد الله الصالحين. لقد جاء في الحديث الصحيح الذي يرويه مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنِيَتْ حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار”. هذه فاجعة الفواجع، أن تذهب أعمالك الصالحة التي أفنيتَ عمرك في جمعها، تذهب لأقوام آخرين قد ظلمتهم أو اغتبتَهم، أو افتريتَ عليهم، أو استنقصت من حقوقهم، ولم تكن هذه الأعمال الصالحة لِتَحُول بينك وبين دخول النار. قد يكون ذنبك الخفيُّ المنسيُّ عندك الحاضر عند الله تعالى شهادةَ زُورٍ شهدتَها، أو بهتانًا افتريتَه، أليست هذه خسارة عظيمة أن يبيع الرجل دينه لأجل عَرَضٍ من الدنيا زائل، إن الميزان الحقيقي الذي يجب أن نَزِنَ به أعمالنا وأقوالنا هو مدى رضا الله تعالى عما نقول أو نفعل، ومن العبادات التي تُظهِر التدين الحقيقي والتعبُّد الصادق، عبادة الورع عما حرم الله تعالى، أو ما يثير الشبهات؛ وقد جاء في الحديث المعروف: “… ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه…”، ومن أشهر ما نُقِلَ في عبادة الورع ما نُقِلَ عن محمد بن سيرين العالم المشهور بتفسير الأحلام؛ فقد اشترى زيتًا ليبيعه على أهل البصرة، ثم وجد فيه فأرة ميتة، فأمر بسكب الزيت الذي حولها، ثم قال: “لعل الفساد سرى إلى بقية الزيت”، فأمر بسكبه جميعًا، فخسر أربعين ألف درهم كانت سببًا في سجنه لعجزه عن السداد. ثم ماذا؟ ذهب الزيت، وذهب السجن، وبقي اسم ابن سيرين عَالمًا مشهورًا لا ينقطع ذكره من الدنيا، وانتشر علمه في الأرض، بسبب ورعه هذا.

موقع إسلام أون لاين