ما معنى الوسطية ؟

ما معنى الوسطية ؟

إن مِن مظاهر كمال الدين الإسلامي الذي اختاره الله لعباده، ورضيه لهم، ومن خصائصه العظيمة: أنه دِين وسط، جاءت تشريعاته ونظمه بعيدة عن جانبي التفريط والإفراط؛ فكان جديرًا بالبقاء والاستمرار على مر الأزمان واختلاف البيئات؛ لأن الناس لا تستقيم لهم حياة في ظل نُظمٍ أو تشريعات تتسم بالتفريط أو الانفلات والفوضى، كما أنهم لا يطيقون نُظمًا أو تشريعات تتسم بالمغالاة والتشدد، وهكذا تتجلى أهمية خاصية الوسطية التي امتازت بها شريعة الإسلام وما ينبثق عنها من أنظمة وأحكام. والمتأمل في الشريعة الإسلامية وأحكامها يتبين له – بوضوح – هذه الخاصية على نحو فذٍّ عظيم لا شبيهَ له في أي نظام أو مذهب في دنيا الناس؛ حيث إن النظم الوضعية – على اختلاف أطيافها ومشاربها – لا تَسلَم في كثير من الأحيان مِن الجنوح إلى الإفراط أو التفريط. وتجدر الإشارة إلى أن القرآن الكريم قد أرسى مبدأ التوسط والاعتدال في الحياة الإسلامية، وأكد عليه النبي صلى الله عليه وسلم في سنَّته نظريًّا وعمليًا.

يقول الله تعالى في محكم التنزيل: ” وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ” الإسراء: 29. ويقول تعالى في وصف عباد الرحمن “وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ” الفرقان: 67. وقال سبحانه ” وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ” القصص: 77. وعن أنس رضي الله عنه، قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا كأنهم تَقالُّوها، وقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟! قد غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر! قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدًا، وقال الآخَر: وأنا أصوم الدهر أبدًا ولا أُفطِر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساءَ فلا أتزوَّجُ أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: “أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أمَا والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأُفطر، وأصلي وأرقُدُ، وأتزوج النساء؛ فمَن رغب عن سنَّتي فليس مني”. رواه مسلم. وعن أبي رِبْعِي حنظلة بن الربيع الأسيدي الكاتب، أحد كُتَّاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لقيني أبو بكر رضي الله عنه، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافَق حنظلةُ، قال: سبحان الله! ما تقول؟! قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكِّرنا بالنار والجنة حتى كأنَّا رأي عينٍ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافَسْنا الأزواج والأولاد والضَّيْعات، فنسينا كثيرًا. قال أبو بكر رضي الله عنه: فوالله إنا لنلقى مِثْلَ هذا! فانطلقتُ أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله! قال: “وما ذاك؟”، قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافَسْنا الأزواج والأولاد والضَّيعات، نسينا كثيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذِّكْر، لصافحتكم الملائكة على فُرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة” ثلاث مرات. رواه مسلم.

 

من موقع الالوكة الإسلامي