قال تعالى ” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأْمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ” آل عمران:159. يتوجه الخطاب إليه صلى الله عليه وسلم بطيب قلبه وإلى المسلمين بتذكيرهم نعمة الله عليهم به.. فهي رحمة الله نالته ونالتهم؛ فجعلته صلى الله عليه وسلم رحيماً بهم، ليناً معهم ولو كان فظاً غليظ القلب ما تألفت حوله القلوب ولا تجمعت حوله المشاعر.
فالناس في حاجة إلى كنف رحيم وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة وود يسعهم وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم.. في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء؛ ويحمل همومهم ولا يعينهم بهمة ويجدون عنده الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء وهكذا كان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا كانت حياته مع الناس ما غضب لنفسه قط ولا ضاق صدره بضعفهم البشري، ولا احتجز لنفسه شيئاً من أعراض هذه الحياة؛ بل أعطاهم كل ما كانت يداه في سماحة ندية ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده الكريم.
وما من واحد منهم عاشره أو رآه إلا امتلأ قلبه بحبه؛ نتيجة لما أفاض عليه صلى الله عليه وسلم من نفسه الكبيرة الرحيمة. وكأن الله جل جلاله يقول له: فبرحمة الله يا محمد ورأفته بك، وبمن آمن بك من أصحابك، لنت لهم، حتى احتملت أذى من نالك منهم أذاه، وعفوت عن ذي الجرم منهم جرمه، وأغضبت عن كثير ممن لو جفوت به وأغلظت عليه، لتركك ففارقك ولم يتبعك ولا ما بعثت به من الرحمة، ولكن الله رحمهم ورحمك معهم. قال تعالى ” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ” التوبة:128.