يسلط العرض المسرحي الجديد الموسوم بـ ”مانيا” الضوء على موضوع الخيانة الزوجية، بالمفهوم الشرقي السائد في المجتمع والتي استعان المخرج دريس بن حديد في طرحها على المدرسة الواقعية الرومانسية، لتشخيص هذه الظاهرة بسياقاتها المختلفة.
تم، الثلاثاء، العرض الشرفي لمسرحية “مانيا”، من إخراج وتأليف بن حديد إدريس، وهو عمل فني يحاول ركحيا تلمس نتائج الشك والخيانة في العلاقات الزوجية وتبعاتها على تماسك النسيج الاجتماعي.
ويتقفى هذا العمل المسرحي الجديد الذي جرى عرضه الشرفي، سهرة الثلاثاء، بالمسرح الوطني الجزائري محيي الدين بشطارزي بالجزائر العاصمة، يوميات امرأة تدعى “مانيا” وهي شابة من الغجر تزوجت بعد علاقة حب قوية مع شاب من المدينة وتقبل العيش معه بعيدا عن بيئتها الأولى، ولكن ورغم تضحياتها وبسبب تأخرها في الإنجاب يتسرب الشك إلى نفسه بفعل الإشاعات التي يطلقها أفراد من المجتمع عليها، فيتوجس من تصرفاتها رغم حبه الشديد لها ويصبح يشك في سلوكها ويتهمها بالخيانة مع رجل آخر.
وتبرز اللوحات المسرحية المتعاقبة على مدار ساعة من الزمن الركحي أجواء مشحونة بالشك المتصاعد بين الزوجين التي تغذيها آراء الناس حول هذه المرأة الجميلة التي رسم حولها هؤلاء هالة من الشك والريبة تطعن في شرفها، ما دفع بزوجها إلى الشك في كونها تخونه رغم انعدام الدليل ومعاملتها بسلبية، ما أدخلها في دوامة من الحزن والتمزق لأنه يعشقها ولا يريد أن يفقدها.
تغوص الشخصيتان اللتان تحركا النص وهما الممثلان مخناش أسماء وبن حديد إدريس في واقع مزدحم بالشك والريبة يجمع بين زوجين رغم علاقة الحب الكبيرة بينهما، ويتسلل الغير ليشوهها بالخيانة المزعومة ليحتدم الصراع بين الشخصيتين فتطفو تفاصيل العلاقة المسكونة باللهفة والبوح والتفاعل التي تنساب لتشكل تجربة إنسانية فريدة وتتوالى الأحداث وتتصاعد حيث يشك الزوج في خيانة زوجته التي تدافع عن نفسها، حيث يشك ذات يوم بوجود عشيقها المتوارى داخل الصندوق الخشبي بغرفتها، لكنها تمنعه من فتحه.
أبدع الثنائي في ختام العرض الذي ينتهي بلوحة رمزية توحي بالأسئلة حول مصير الزوجة الذي يبقى مبهما، حيث تتمدد المرأة في إحالة الى موتها على يد زوجها الذي يقوم بعدها بفتح الصندوق الخشبي ليجده فارغا إلا من ثيابها وبعض ذكرياتها، وبالتالي لا أثر للخيانة، لكن بعد أن يكون قد نفذ جريمته في حق زوجته البريئة التي تعود بعدها لتتحرك على الركح في إشارة شديدة على براءتها من تهمة الخيانة.
وتحققت الفرجة إلى حد ما من خلال اشتغال المخرج على الإضاءة التي تم توظيفها للتعبير عن حالات التشرذم والتيه التي تعاني منها الشخصيتان والتمزق الداخلي والتشظي الروحي، حيث تناغمت حركات أجساد الممثلين وكذا الديكور الذي خدم الرؤية الإخراجية للعمل وكذا السينوغرافيا التي أنجزها هارون كيلاني وعكست تناقضات نفسية، كما اعتمد على اقتصاد العرض كخيار جمالي خدمة للنص، حيث تتيح للممثل حرية الحركة والانتقال بانسيابية في الفضاء الركحي.
وقال صاحب النص وممثل في المسرحية، إن “مانيا” عرض ثنائي يجمع شخصيتين كامل ومانيا، عن كامل فهي شخصية تعيش في شك قاتل بخصوص زوجته مانيا، فهو شبه متأكد أنها خانته، لكن لا يستطيع أن يثبت ذلك، ويظهر سلوكه هذا بشكل مرضي.
وأوضح المخرج بن حديد أن نصه كتبه باللغة العربية الفصحى، بأسلوب شعري وتتضمنه رموز. وأشار إلى أن الفصحى عنده هي نقطة قوة، وكانت له أعمال بالدارجة الجزائرية، وأضاف أن الظروف التي تستدعي استعمال الفصحى، منها جماليات الحوار، وأن الأمر في الأخير يتعلق بظروف الكتابة عموما وعلاقة الحبّ التي تنشأ بين النص وكاتبه.
وبخصوص تواجده كممثل في المسرحية، قال إن الظروف المادية هي أحد الأسباب، لتوفير المال، معترفا أن الأمر ليس صحيا، لكن غياب الإمكانيات تعوزه، وأن اشتياقه للخشبة هو سبب آخر للصعود على الخشبة مجددا، فهو لم يفعل ذلك منذ 2018. كما ذكر أن تواجده كممثل لنصه وإخراجه سيمنح شخصيته حرصا على أداء جيد.
والمسرحية التي يستمر عرضها بركح محيي الدين بشطارزي إلى غاية الجمعة هي من إنتاج جمعية النسور للمسرح بتندوف، بالشراكة مع المسرح الوطني الجزائري محيي الدين بشطارزي.
ب/ص