حين يتأمَّلُ المؤمنُ آياتِ المحبةِ في كتاب اللهِ جلَّ وعلا، فإنه سيجدُ أمرًا عجبًا.. فاللهُ جلَّ جلالهُ يُحِبُّ المؤمنين، ويُحِبُّ المحسنين، ويُحِبُّ المتقين، ويُحِبُّ الصابرين، ويُحِبُّ المتوكلين، ويُحِبُّ المقسِطين، ويُحِبُّ التوابين ويُحِبُّ المتطهرين، ويُحِبُّ الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيانٌ مرصوص.. إذن فعلاقَةُ اللهِ تبارك وتعالى بعبادةِ المؤمِنينَ عَلاقةٌ مُميزةٌ، تَفِيضُ رحمةً ووُدًا، ورأفةً ولُطفًا.. محبَّةُ اللهِ تبارك وتعالى لعبده المؤمن.. هي رُوح الحياة، فمن حُرِمَها فهو من جُملةِ الأمواتِ، وهي نُورُ البصيرة، فمن فَاتتهُ تاهَ في بِحارِ الظُلمَاتِ، وهي شِفَاءُ النفوس، فمن فَقدَهُا حَلَّتْ به الآفَاتُ، وهي أُنسُ القلوب، فمن لم يَظفرْ بهِا تَقطعتْ نفْسُهُ حَسراتٌ.. وواللهِ وبالله وتالله إنَّ إكْرامَ اللهِ تعالى لعبدِهِ المؤمِن بأنْ يجعلَ قلبهُ عامِرًا بحُبِّ اللهِ تعالى، والله إنَّ ذلكَ لأمرٌ عظيمٌ، جدُّ عظيم.. فكيفَ إذا تَفضَلَ الغني الكريمُ على عبدهِ فأحبَّهُ.. ثم تأمَّل فهناك المزيد: ” إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ” مريم:96، فهو برحمتهِ وفضلِهِ سبحانه ليس “يُحِبُّهُمْ” فقط، بل إنه يحبهم ويُحبِّبَهُم إلى أوليائِهِ، ويضعُ لهم القبول.. وهم إنما “يُحِبُّونَهُ” هِدايةً منهُ وفضْلًا.. فالفضلُ في الحالين لهُ سُبحانَهُ وبحمدِه.. ” وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ” البقرة:105.. وكونهم “يُحِبُّونَهُ” سُبحانَهُ فلا غَرابَةَ، فالـمُحسِنُ يُحَبَّ بداهةً وطَبعًا، كيفَ لا وهو الذي خَلقَ ورَزقَ، وهو الذي هَدى ووَفقَ، وهو الذي أَعانَ ويسَّر، وهو الذي يتفضلُ فيَتقبلُ، وهو الذي يُثيبُ ويَشكُرْ، ثمَّ مِسكُ الخِتَامِ وتَاجُ العَطاءِ يتكرم فـ “يُحِبُّهُمْ” جاء في حديثٍ قُدسيٍ صحيحٍ: “وما يزالُ عبدِي يتقربُ إليَّ بالنوافلِ حتى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا، ولَئِن سأَلنِي لأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه”، وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ اللهَ تعالى إذا أحبَّ عبدًا دعا جبريل، فقال: إني أُحِبُّ فلانًا فأحبِبهُ، فيُحِبهُ جبريلُ، ثم يُنادِي جبريلُ في السماء، فيقول: “إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّماءِ، قالَ ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرْضِ”. حبُّ الله تعالى هو لبُّ الدين، وروح العبادة، وأصلُ الإيمان.. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “العبادةُ هي كمالُ المحبة مع كمال الذل، ولا تَعبُدَ إلا ممن يُحبُّ أعظمَ الحب”.. وفي الحديث الصحيح: “ثلاثٌ من كنَّ فيه وجدَ بهنَّ حلاوةَ الإيمان، أولها: أن يكونَ اللهُ ورسولُهُ أحبَّ إليه مما سواهما…”. فدلّ ذلك على أنّ الإيمان الحق لا يكتمل إلا بالحب، وأن الحلاوةَ لا تُعطى إلا لمن أحبَّ.. ثم إن كلُّ محبةٍ في الدنيا قد سببًا في مذلتك، إلا محبةُ اللهِ فإنها تُعزك وترفعك.. كما أنَّ كلَّ محبةٍ فستفارقها أو تُفارقك.. إلا محبةُ المولى جل وعلا فهي معك إلى ما لا نهاية.. وكلُّ محبةٍ تنتهي بالموت، إلا محبتهُ سبحانه، فإنها تتضاعفُ بعد الموت.. فلا إله إلا الله!! ربٌّ هذه صفاته وكرمه!..
من موقع الالوكة الإسلامي