مؤتمر الصومام…عندما قرر الثوار مواصلة الكفاح المسلح ورسم خريطة الاستقلال

بعد مرور حوالي سنتين على اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر 1954، وبعدما تمكنت من التوسع، بات من الضروري تحديد استراتيجية سياسية، عسكرية عامة لجبهة التحرير الوطني تهدف إلى وضع منهج تحدد فيه بوضوح مسارها، وتقييم من خلاله هذه المسيرة، لهذا السبب استدعي قادة الثورة لعقد مؤتمر بوادي الصومام يوم 20 أوت 1956، الذي تمكنوا من خلاله تحديد الأهداف السياسية للثورة وتنظيمها تنظيما شاملا في كل المجالات السياسية منها والعسكرية والاجتماعية.

ظروف وأسباب انعقاد المؤتمر

يعتبر مؤتمر الصومام من القرارات الأولى التي تبنتها مجموعة الـ22 التاريخية حين تفجيرها للثورة، حيث كان من المفترض أن يلتقي القادة مجددا بعد عام من تفجيرها لتقييم نتائجها وتقدير الصعوبات وإعادة تنظيمها وترتيبها، لكن هذا القرار لم ير النور في موعده بسبب الأحداث المؤلمة التي شهدها العام الأول من بداية الثورة كاستشهاد بعض القادة مثل: باجي مختار وديدوش مراد

وسويداني بوجمعة واعتقال البعض الآخر كرابح بيطاط ومصطفى بن بولعيد ورحيل بوضياف إلى الخارج، إلى جانب الصعوبات التي لم تكن متوقعة كشراء الأسلحة وإدخالها إلى الجزائر.

ويُعد مؤتمر الصومام أهم اجتماع وطني لقادة الثورة التحريرية خلال مرحلة الكفاح المسلّح، فكانت النتائج المحققة خلال هجومات 20 أوت 1955 دافعا قويا للمسؤولين لمحاولة التعرف على حقيقة الوضع بعد ذلك، وكان انعقاده ضرورة مُلّحة لتقييم المرحلة الأولى من الثورة المسلّحة، ولوضع الخطوط العريضة لمواصلة الكفاح المسلّح من أجل استرجاع السيادة الوطنية، من خلال تزويد الثورة بقيادة مركزية وطنية موحدة، تقوم بتوحيد التنظيم العسكري وتنظيمه وتسيير الكفاح المسلّح، زيادة على تحديد المنطلقات السياسية والإيديولوجية التي تتحكّم في مسار المعركة الكفاحية وتوجّهها، وكذلك تدارك النقائص المسجّلة في التموين والتمويل، وضعف الاتصال بين المناطق.

 

”إيفري أوزلاقن”.. المنطقة المختارة لعقد المؤتمر

بعد سلسلة من الاتصالات بين مختلف قيادات المناطق، اختيرت المنطقة الثالثة لاستضافة المؤتمرين لتوفّر شروط الأمن والنظام والسرية، وكانت قرية إيفري أوزلاقن المجاورة لغابة أكفادو (في السفوح الشرقية لجبال جرجرة، المشرفة على الضفة الغربية لوادي الصومام) مكانا لانعقاد المؤتمر. ترأّس جلسات المؤتمر المناضل العربي بن مهيدي مع إسناد الأمانة للمناضل عبان رمضان، وقُدمت خلالها دراسة مستفيضة لحصيلة اثنين وعشرين شهرا من مسار الثورة من مندوبي كل المناطق (ماعدا المنطقة الأولى والوفد الخارجي) لتعذر حضورهما، واكتفاء منطقة الجنوب بإرسال تقريرها.

 

هذه هي أهم النتائج والقرارات التي خرج بها المؤتمر

بعد أن تُليت تقارير المناطق، واستعراض حصيلة اثنين وعشرين شهرا من الكفاح المسلّح، درس المؤتمرون مختلف القضايا للنقاش، واستعرضوا النقائص والسلبيات التي رافقت الانطلاقة الثورية، وانعكاساتها على الساحة الداخلية والخارجية، وبعد عشرة أيام من المناقشات أسفرت جلسات المؤتمر عن تحديد الأطر التنظيمية المهمة التي يجب إثراءها وصيغت في قرارات سياسية وعسكرية مهمة ومصيرية، مسّت مختلف الجوانب التنظيمية للثورة الجزائرية السياسية، العسكرية، الاجتماعية.

وخرج المؤتمر بوثيقة سياسية، حدّدت المنهج السياسي الذي سارت عليه الثورة الجزائرية، مرفقة بتصور مستقبلي للآفاق والمبادئ والأسس التنظيمية للدولة الجزائرية بعد استعادة السيادة الوطنية.

كما قرّر المؤتمر تقسيم البلاد إلى ست مناطق، واستبدال لفظة المنطقة بالولاية، وتقسيم الولاية إلى مناطق، والمناطق إلى نواحي والناحية إلى قسمات، وجعل العاصمة منطقة مستقلة، من أجل تسهيل عملية الاتصال والتنسيق بين الجهات، وعلى المستوى الخارجي تم استحداث اتحادية جبهة التحرير الوطني في فرنسا وتونس والمغرب.

أما مراكز القيادة فتخضع لمبدأ الإدارة الجماعية، وتكون من القائد وله صفتان عسكرية وسياسية، وهو يمثل السلطة المركزية لجبهة التحرير الوطني، ويحيط به ثلاث نواب من الضباط يتولون الفروع التالية: الفرع العسكري، الفرع السياسي وفرع الاستعلامات والاتصال، وتوجد مراكز قيادة لكل من الولاية والمنطقة والناحية والقسم.

ومن بين القرارات العسكرية، أقرّ المؤتمر تنظيما عسكريا بدءا بتوحيد القيادة، وتحديد الرتب العسكرية لقادة الولايات والمناطق والنواحي والأقسام وتعميمها، مع تحديد المرتب الشهري لكل رتبة عسكرية، ومن حيث التنظيم العسكري لوحدات وعناصر جيش التحرير الوطني، أصبحت التركيبة الجديدة تضم: الفيلق، الكتيبة، الفرقة، نصف الفوج، الفوج، وأقرّ المؤتمر أيضا، المرتبات للمجاهدين والمسبلين، ومنح لعائلات الجنود الأسرى والشهداء.

كما أقر مؤتمر الصومام تشكيل قيادة عامة موحدة للثورة مجسّدة في كل من: المجلس الوطني للثورة: ويمثل أعلى هيئة قيادة في الثورة ويؤدي دور الهيئة التشريعية، من صلاحياته اتخاذ جميع القرارات من حيث تعيين أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ التي تلتزم بتنفيذ قراراته في مجال العمل والنشاط السياسي والعسكري، ويحدد معالم السياسة التي تنتهجها جبهة التحرير الوطني في الداخل والخارج، وأولوية السياسي على العسكري.

وانبثقت من المؤتمر لجنة التنسيق والتنفيذ التي تعتبر بمثابة الهيئة التنفيذية للمجلس الوطني للثورة الجزائرية، وتلتزم أمامها بجعل جميع القرارات العسكرية والسياسية موضع التنفيذ، مع احتفاظها بالسلطة على أجهزة الثورة في مختلف الولايات التي عوّضت المناطق.

كما أُعطيت الأولوية للسياسي على العسكري. وفي مراكز القيادة يتعيّن على القائد العسكري السياسي السهر على حفظ التوازن بين جميع فروع الثورة، في حين أُعطيت الأولوية للداخل على الخارج، مع مراعاة مبدأ الإدارة المشتركة.

قرّر المؤتمر تشكيل محاكم جزائرية تقضي بالشريعة الإسلامية في أحكامها، يحاكم فيها المدنيون والعسكريون، مع إعطاء الحق للمتهم في اختيار من يدافع عنه.

 لم يغفل مؤتمر الصومام مسألة إنهاء حالة الحرب والشروط والضمانات الواجب توفرها، حيث أقرّ ضرورة الاعتراف الفرنسي باستقلال الجزائر، وأن جبهة التحرير الوطني هي المُفاوض الوحيد باسم الشعب الجزائري، مع اشتراط الاعتراف بالوحدة الترابية للجزائر.