تختلف قصص الأشخاص دون مأوى الذين تعج بهم شوارع العاصمة الجزائر، إلا أنها تلتقي مع مراكز الإيواء، وهي أحد أهم أسباب رفضهم لخدمات التكفل التي تقدم لهم داخل هذه المراكز.
وهناك الكثير إن لم نقل الغالبية من المتشردين الذين يعيشون في الأركان الدافئة لشوارع العاصمة ليلا، يرفضون أن يتم ادخالهم لمراكز الإيواء بالرغم من قساوة الطقس في الخارج في موسم الشتاء بسبب سوء المعاملة التي يتلقونها داخل المراكز من بعض الأعوان والممارسات التي يقولون إنها لا علاقة لها بالتكافل والتضامن مع من لا مأوى له.
الأركان الدافئة ملاذهم ليلا
عندما تتسلل الظلمة وتهدأ الحركة في العاصمة شيئا فشيئا، يمكن أن يميز المار في شوارع البهجة وجود المتشردين في الأماكن الأقل صخبا والأكثر دفئا بالمقارنة مع درجة حرارة الفصل، سعيا منهم إلى ربح ساعات من النوم والراحة، إنهم أشخاص دون مأوى تراهم هادئين، غير أنك إن اقتربت منهم لن تسلم من مهاجمتهم لك ولو حتى بالصراخ.
تعددت الأسباب والشارع كان المأوى
وتتعدد قصص الأشخاص دون مأوى وأسباب تواجدهم في الشارع، فهناك شباب انزلقوا في الرذيلة بسبب عدم وجود دعم وتكفل عائلي، وهناك كهول قست عليهم الدنيا ولم يجدوا سندا اجتماعيا يكفلهم، وهناك عائلات بأكملها تعاني الفاقة والحاجة وتبحث عن سقف يأويها.
كل قصة، وكل حالة، تستدعي التوقف والتدبر، إلا أن واقع معيشهم خارج مراكز الإيواء استدعى التساؤل عن سبب رفضهم لذلك، وقد صبت الاجابات كلها في اتهامات موجهة للأعوان العاملين بالمراكز المخصصة لإيواء الأشخاص دون مأوى والذين يستغلون – حسبهم- هؤلاء ويسلبونهم أموالهم وكل ما يحوزونه من ثمين.
وقد روى بعض القاطنين في إحدى دور الإيواء أن الجميع يتعرض للظلم وأن كل من يحاول التمرد يكون نصيبه قضاء الليلة مع المصابين بالأمراض العقلية أو الضرب.
من جهتها، تقترح فريدة جبالي رئيسة لجنة الشؤون الاجتماعية بالمجلس الشعبي لولاية العاصمة، ضرورة تنصيب كاميرات لمراقبة التجاوزات في المراكز وكل ما يتعلق بذلك لضمان حماية أمن الأشخاص القاطنين بهذه المراكز، مؤكدة أنه لا يجوز اطلاقا الجمع بين المختلين عقليا ومن لا مأوى لهم.
قافلة للتكفل بالأشخاص بدون مأوى تجوب شوارع العاصمة
هذا، وقد انطلقت بالجزائر العاصمة قافلة تضامنية لفائدة الأشخاص بدون مأوى عبر بلديات المقاطعة الإدارية لسيدي أمحمد بتوزيع 400 وجبة غذائية كاملة وأفرشة لفائدة هذه الشريحة المحرومة، هذه القافلة ستتواصل طوال فصل الشتاء من مقر مديرية النشاط الاجتماعي لولاية الجزائر ببئر خادم، بحضور مديرة النشاط الاجتماعي وممثلين عن الشرطة والحماية المدنية وكذا أعضاء كل من جمعية “مشعل الشباب” لبلدية جسر قسنطينة وجمعية “نجوم الشباب” لبلدية الجزائر الوسطى، اللتان قدمتا 400 وجبة ساخنة وأفرشة للأشخاص المشردين المتواجدين في نقاط مختلفة من بلديات العاصمة.
وأوضحت شنوف سماح، رئيسة جمعية “مشعل الشباب” جسر قسنطينة، أن هذه المبادرة “تدخل ضمن المشروع الممول من طرف وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة”، وأنها استفادت كجمعية ناشطة من “إعانة مالية قدرها 400 مليون سنتيم يتم استغلالها في مجال التكفل بالأشخاص دون مأوى قار”.
كما اعتبر بن اسماعيل فاتح، رئيس جمعية “نجوم الشباب” للجزائر الوسطى، أن الهدف من هذه العملية الميدانية هو “تحسين ظروف المشردين ومساعدة البعض منهم على الاندماج مع المجتمع وفق مرافقة نفسية واجتماعية”.
بدوره، أوضح السيد باديس بلعزوق، رئيس مصلحة برامج التنمية والتضامن ومتابعة الجمعيات، أن هذا المشروع يندرج ضمن “استراتيجية القطاع الجديدة وهي لامركزية تقديم الإعانات وتسيير الإعانات للجمعيات”.
كما يهدف -يضيف- إلى “مساعدة وإيواء الأشخاص بدون مأوى ويعمل بالتنسيق مع فرق الحماية المدنية والشرطة وأعضاء الجمعيات والمؤسسات المكلفة بالرعاية التابعة للوزارة الوصية”.
وقد انطلق المشروع، يردف قائلا، خلال السنة الجارية 2019 وهو ممول من صندوق التضامن الوطني وخصص له “إجمالي 800 مليون سنتيم قسم على الجمعيتين بالتساوي (400 مليون سنتيم لكل جمعية).
وجدير بالذكر أن عدد الأشخاص دون مأوى المتكفل بهم خلال سنة 2018 على مستوى ولاية الجزائر بلغ 15.745 شخصا أغلبهم من فئة الرجال لا تتجاوز أعمارهم الـ38 سنة، حسب رئيس مصلحة الوساطة العائلية والاجتماعية، رمضاني جمال.
وأشار إلى أن 85 % من المتكفل بهم السنة الماضية تتراوح أعمارهم بين 24 إلى 38 سنة، و 10 % أعمارهم من 50 إلى 60 سنة، و 5 % إلى ما فوق الستين عاما.
أما عن مدنهم الأصلية، فيؤكد المصدر، على ضوء آخر إحصاء بالمديرية، أن 12 % من ولاية الجزائر و 88 % جاؤوا من مختلف ولايات الوطن.
كما أشارت حصيلة أخرى لشهر فيفري 2019 إلى التكفل بـ 1590 شخصا تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 84 سنة تم التكفل بإيوائهم والأكل على مستوى دار الرحمة ببئر خادم، وهم ينحدرون من ولايات عدة.
دعوة لمضاعفة مراكز الإيواء ومراقبة نوعية الخدمة
من جهتها دعت وزيرة التضامن الوطني و الأسرة وقضايا المرأة، غنية الدالية، السلطات المحلية إلى مضاعفة هياكل الايواء المخصصة للأشخاص من دون مأوى ثابت، لاسيما خلال فترة الشتاء. وصرحت الوزيرة للصحافة على إثر مراسيم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف الذي أحيته الجزائر، نهاية الأسبوع الماضي، أن “هياكل استقبال الفئات المحرومة تعد كافية على المستوى الوطني، باستثناء فئة الأشخاص من دون مأوى ثابت. وهو ما يستلزم على الولايات والمجالس الشعبية البلدية مضاعفة الجهود، وبخاصة خلال الفترة الشتوية من أجل إيوائهم”.
وبعد أن تأسفت، في هذا السياق، للعدد “غير الكافي” لخدمات الإسعاف الاجتماعي المتنقل، ذكرت السيدة الدالية أن الأشخاص المشردين في العاصمة “يتم توجيههم نحو أجنحة المؤسسات التابعة لوزارتها من أجل السماح لهم بالاحتماء من البرد خلال هذا الموسم القاسي”، موضحة أن “هذا المشكل يبقى مطروحا في باقي أنحاء البلد”.
وأشارت الوزيرة إلى ضرورة أن تقوم السلطات المعنية “بمرافقة المحسنين الذين يتبرعون بأموالهم لفائدة الفئات الهشة، من خلال تسهيل إقامة مؤسسات تستضيف هذه الفئات وتضعها بمنأى عن قساوة الشتاء والأخطار المتعددة، مبرزة في هذا الصدد ضرورة “تضافر كافة المجهودات بغية بلوغ المبتغى”.
وطمأنت الوزيرة أن الميزانية الموجهة للمرافق التابعة لقطاعها “لم يطرأ عليها تخفيض”، موضحة أن السلطات المحلية و مديريات النشاط الاجتماعي لمختلف الولايات تقدم “بشكل منتظم” دعمها المالي، إلى جانب أيضا المحسنين الذين يظهرون بالخصوص خلال المناسبات الدينية، على غرار المولد النبوي الشريف.
لمياء.ب