مآسٍ اجتماعية أبطالها متشردون، بائعات الهوى وتجار الكيف….. سعيدة بن حبيلس: الدولة تُحصي 20 ألف حالة في انتظار الاستراتيجية الوطنية للتكفل بهم

elmaouid

المتجول في شوارع وساحات العاصمة نهارا لا يكاد يعرفها عندما تجنح الشمس للمغيب، حيث يكون المتجرئ على المغامرة بعد الساعة التاسعة ليلا أمام مشهد أقل ما يُقال عنه أنه مُخيف.. من شارع محمد بلوزداد إلى نهج العقيد لطفي في باب الوادي، مسار لا يتعدى مداه 4 كيلومترات لكنه يختصر في مشاهد درامية مؤثرة تعكس حجم مآسي المجتمع، أبطالها نماذج متعددة من البشر بدءا من بائعات الهوى ومثليي الجنس والمتشردين والسكارى وأطفال “الديليون”، وصولا إلى أرباب تجارة الكيف والمهلوسات وما بينهم عصابات تحترف اللصوصية، يترصدون فرائسهم من عابري، خصوصا عند مخارج محطات القطار والميترو.

البداية كانت من مفترق طرق شارع المعدومين بالعناصر، بعد صلاة العشاء أولى قوافل المشردين ممن يحملون غرف نومهم تحت الإبط، بدأت تتوافد تباعا لتحتل الزوايا والأركان، المحظوظ منهم أو منهن من يظفر بمكان فوق مخارج دخان المخابز الأرضية التي يعود تصميمها في هذا الشارع إلى العهد الكولونيالي اتقاء للبرد القارس، متشردون من كلا الجنسين ومن مختلف الأعمار لكل قصته قد تختلف عن الآخر، لكن المآل واحد وهو الشارع..

 

مشاهد مأساوية صامتة إلا من بكاء رضع في حضن أمهاتهن العازبات

مع مرور الوقت تسمع بن الحين والآخر أصوات الدكاكين تغلق تباعا لتكون كل المحلات مقفلة بحلول الساعة الثامنة مساء إلا بعض الشوايات ومحلات “الفاست فود” التي تحتل الأزقة الضيقة المتفرعة عن الشارع الرئيسي، وأصحابها من أبناء الأحياء المحاذية، عند مدخل “الأروقة الجزائرية سابقا” بشارع محمد بلوزداد يبدو لك الوضع شبيها بمراقد المعتصمين من أجل “قضية”، لكن في الواقع هم ممن لفضتهم الأسرة واستغنى عنهم المجتمع وباتوا بلا مأوى ولا ظهير لهم.. مشاهد مأساوية صامتة إلا من صيحات جوع التي تصدر من رضع في حجر أمهاتهم العازبات أو المطلقات اللواتي يفترشن الكرتون ويلتحفن ما جادت به لهم أيادي المحسنين بالنهار من البطانيات القديمة، وليس الوضع أقل مأساوية في ساحة أول ماي إلى شارع حسيبة بن بوعلي، ولا في شارع العقيد عميروش قبالة مديرية أمن العاصمة، فهذا الشارع الذي يرتاده في الصباح أصحاب المليارات بالنظر إلى الكم الهائل من البنوك والمصارف التي تمتد على جانبيه، يتحول مع الغروب إلى ملجأ للمتشردين و”خفافيش البشر”… صادف ونحن نقوم بهذا الروبورتاج أن اندلعت مشادات بالعصي بين متشردين ومتشردات حول “أحقية” بعضهم عن الآخر بـ”الأمكنة الدافئة” بمحاذاة المخبزة الوحيدة في هذا الشارع، ولم تخمد ثائرة المتطاحنين إلا بعد تدخل أعوان الأمن الذين طالما يفضون نزاعات ليلية من هذا النوع. فتيات في مقتبل العمر يحترفن البغاء نهارا ويفترشن مدخل بنك الجزائر الخارجي ليلا، بلغنا أنهن قدمن من ولايات الجزائر العميقة، ونساء أخريات مطلقات وبعضهن أمهات عازبات اتخذن من ردهة بنك الفلاحة والتنمية الريفية كمأوى لا يبرحنه إلا بعد بزوغ أولى خيوط الفجر.

 

حديقة صوفيا.. جميلة العاصمة تحت سيطرة المثليين

غير بعيد عن مفترق طرق البريد المركزي باتجاه محطة تافورة، نصادف متشردين من نوع خاص، أطفال لا يتعدى سن أكبرهم 14 سنة، عشقوا “الباتيكس والديليون” حتى النخاع لأنهما المادتان اللتان تمنحهما نشوة النسيان، يتجمعون بعد غروب كل يوم تحت الجسر المؤدي إلى ساحة 2 ماي لنقل المسافرين، بعضهم يقضي ساعات النهار في أعمال النشل وبعضهم الآخر يستجدون الصدقة وفئة ثالثة اختارت أن تسترزق من حراسة السيارات أو ما يعرف بـ “المواقف الفوضوية” في الشوارع والأزقة الضيقة على طول شارع زيغود يوسف وعسلة حسين، ويصادف أن تنضم هذه “الفئة الشبانية” من المتشردين إلى أمثالهم في حديقة “صوفيا” في ليالي البرد القارس، لكن الأمر ليس هينا لأن هذه الحديقة بعد الساعة الثامنة مساء تصبح تحت سطوة وإمرة فئة مثليي الجنس وبائعات الهوى الذين يفرضون قانونهم في الحديقة و ا مكان فيها لمن يفسد أو يعكر عليهم تجارتهم “المخزية”.. تتواصل صورة المتشردين وهم يفترشون الكرتون حتى يصبح آخر متشرد على بعد مرمى حجر فقط من مبنى مجلسي الشعب

والأمة، حينها يتفرع السيناريو إلى الجهة الشمالية وتحديدا إلى شارع عبان رمضان وصولا إلى ساحة بورسعيد ليصنع المتشردون مسرحا قبالة المسرح الوطني هناك تجتمع كل الأصناف، حتى أصبح المكان شبيها بمخيمات اللاجئين.

 

صيدليات ترفع شعار “اللي خاف سلم”

سواء في شارع باب عزون أم في ساحة الشهداء، الأمر سيان، قوافل من المتشردين تصنع الديكور الليلي لهذين المكانين العريقين، لكن بفارق واحد وهو أن تجارة الكيف والمهلوسات مستفحلة إلى درجة لا يتصورها عقل وتتم جهارا إلى درجة أن أطلقت تسمية على أحد الزقاق المؤدي إلى شارع “الصدقة” ومنه إلى “جامع ليهود”  زنقة “بوغوتا سيتي” كناية عن عاصمة الهيرويين والكوكايين في العالم بوغوتا الكولومبية، وما يتداول في هذا الحي هو شبيه بما يتداول في حي باب الوادي، مادة القنب الهندي بالدرجة الأولى وبعدها فئة الأقراص المهلوسة مثل “الدياز” و”الغاردينال” و”الديباركين”.. وغيرها من الماركات الدوائية ومصدرها الصيدليات التي يتم السطو عليها أو اقتحامها من طرف شباب منحرف بالسلاح الأبيض أو يتم التمون بها من طرف بعض الصيادلة المتواطئين مع تجار السموم، وقيل لنا إن مناوبة الصيدليات الليلية في ساحة الشهداء وشارع باب عزون وحي باب الوادي لا أثر لها إلا في رزنامة وزارة الصحة لأن أصحابها يرفعون شعار “اللي خاف سلم” وبالتالي يغلقون محلاتهم في حدود الساعة السابعة مساء أسوة بباقي المحلات الأخرى.. يستمر المشهد لنصل إلى قلب حي باب الوادي العتيق، “الساعات الثلاث” هنالك يشهد الحي بشكل شبه يومي تقريبا حروب “عصابات المخدرات” على شاكلة “لاكامورا” الإيطالية، يستخدم فيها المتناحرون السواطير والخناجر والسيوف لا لشيء إلا لأن البائع غش الزبون في كمية الكيف أو لأنه استهلك ولم يدفع، لكن أسبابها الحقيقية تتعلق بقضية “الولاء” و”الزعامة” للعصابة الكبرى.. على وقع هذه المآسي وسيناريوهات القرف والبؤس تستمر ساعات الليل حتى ينبلج ضوء الصباح وتبدأ الضوضاء ويتلاشى المتشردون في سيناريو مماثل لأساطير “الدراكولا”.

 

اتهامات بسوء المعاملة وراء رفض مراكز الإيواء

تختلف قصصهم وأسبابهم ولكنهم يشتركون في رفضهم الدخول لمراكز الإيواء بالرغم من قساوة الطقس في الخارج في موسم الشتاء، بعضهم قال إن سوء المعاملة التي يتلقونها داخل المراكز التي يقولون إنها لا علاقة لها بالتكافل والتضامن مع من لا مأوى له هي من جعلت رفضهم قاطعا، في اتهام واضح وموجه للأعوان العاملين بالمراكز المخصصة بإيواء الأشخاص دون مأوى والذين يستغلون – حسبهم- هؤلاء وينزعون منهم أموالهم وكل ما يحوزونه من ثمين.

وقد روى بعض القاطنين في إحدى دور الإيواء أن الجميع يتعرض للظلم وأن كل من يحاول التمرد يكون نصيبه قضاء الليلة مع المصابين بالأمراض العقلية.

 

 

سعيدة بن حبيلس:” إعداد إستراتيجية وطنية للتكفل بالأشخاص دون مأوى”

أكدت رئيسة الهلال الأحمر الجزائري سعيدة بن حبيلس أنه يتم حاليا اعداد إستراتيجية بالتعاون مع وزارة الشؤون الدينية والأوقاف من أجل التكفل بالأشخاص دون مأوى.

وقالت السيدة بن حبيلس إنه باعتبار الأشخاص دون مأوى ظاهرة ذات طابع “أخلاقي وثقافي وديني”، فإن وضع إستراتيجية مشتركة بين الهلال الأحمر الجزائري ووزارة الشؤون الدينية أضحى أمرا “ضروريا”.

وأضافت المتحدثة أن هذا المسعى “يجري الإعداد له”، مؤكدة أن الأمر يتعلق في مرحلة أولى بالقيام بعملية وطنية “لتحديد” الحالات الموجودة.

كما أعربت عن أسفها لتراجع “ثقافة التضامن” منذ بضع سنوات بين الجزائريين، مؤكدة على الدور الذي يجب أن يلعبه كل من المسجد والمدرسة ووسائل الإعلام والطبقة السياسية من أجل إعادة إحياء هذه الممارسة “التي طالما تميز بها المجتمع الجزائري”.

وأعلنت السيدة بن حبيلس في هذا الخصوص عن إعداد بطاقية وطنية لتحديد المحتاجين الحقيقيين من أجل استفادتهم من المساعدات وأشكال أخرى من الإعانات التي يقدمها الهلال الأحمر الجزائري.

كما أشارت إلى أنه تم حتى اليوم إحصاء 20 ألف حالة عبر التراب الوطني، مضيفة أن مسعى الهلال الأحمر الجزائري يتمثل في استهداف المناطق الأكثر عزلة.