كل شخص منا له ميولاته واهتماماته وهواياته، فهناك من يميل للرسم والموسيقى وهناك من يجد شغفه في الكتابة التي تعد قيدا، وكما يقال أحيانا “وجع مكتوب أهون من ألم مكبوت”.
الكتابة هي أن نتحرر من كل تلك المشاعر والأفكار والأحاسيس المتضاربة داخلنا، أن نشعر بنوع من الراحة والطمأنينة ونحن نلفظ كل ما بجوفنا على سطح ورقة صار يستفزنا بياضها ويلهمنا، فكتاباتنا غالبا ما تقتات من واقعنا وأحلامنا وكوابيسنا وحتى هواجسنا، تلقي بتعويذتها علينا فندمنها ونتعود عليها، لكن هل من المهم أن نكتب وننثر كلماتنا ونعرضها على الآخرين لقراءتها! هل من الأحسن لنا أن نشارك مواجعنا وآلامنا مع أشخاص يتفحصون أحيانا ما تخطه أناملنا، سؤال قد يطرحه أي كاتب على نفسه، لكن يصعب عليه إيجاد إجابة وافية لتساؤله، لن يدرك الحل إلا إذا تقمص دور القارئ بإحترافية وصدق، فبينما تتصفح جريدة أو ربما كتابا ستقع عيناك على كلمات وجمل قد تؤثر فيك، قد تعجب بكاتبها كما قد تلومه على ما كتبه باعتباره جعلك تشاركه حزنه عنوة، ستكتشف بعد هذه التجربة أنه ليس شرطا عليك أن تكتب وتلفظ كل ما بجوفك، ستدرك دورك ومهمتك ككاتب صار مسؤولا أو ربما يتحمل جزءا من المسؤولية، لتقتنع لاحقا أنه صار عليك أن تجعل من كتاباتك نبضا آخرا موازية لنبض من يقرأ أحرفك، أن تبلسم جراح من حولك، أن تنير عقلا أو تطور فكرا، أن تطرح حلولا وتناقش مواضيع هادفة تخدمك ومن حولك، تسعى لإيجاد سبل وآفاق أخرى تعرضها عليهم فتستفيد وتفيدهم بدورك، ليس شرطا أن نكتب فقط كي نظهر للآخرين أننا نملك موهبة التلاعب بالكلمات أو لنثبت لهم أننا أدباء، أو لنؤكد لهم أننا صرنا جزءا لا يتجزأ من هذا الشرح الأدبي الزاخر، بل المهم أن نكتب ما نتمنى أو ربما ما نحتاج نحن لقراءته في لحظة ضعف وانكسار، أو نختطف فكرة قد تغير مسار حياتنا، أن نقرأ جملة تصوب ذلك الإعوجاج بداخلنا، أن نتعلم سلوكا أو نقتنص معلومة قد تثري رصيدنا، لسنا بحاجة لنكتب كل مرة عن مواجعنا وآلامنا وتعثراتنا، لسنا مجبرين على بعثرة وكشف الستار عن مشاكلنا وهمومنا، أن نكتب معناه أننا صرنا نحمل على عاتقنا مسؤولية كل حرف أو كلمة دونتها أقلامنا، فلنكتب لنغير الواقع حولنا، لا كي نرثي حالنا ونندب حظنا ونبكي على أطلال ماضينا، فإذا لم تستطع تغيير حاضرك، فبإمكانك تعديله بقلمك أو ربما بأحلامك.
بقلم: مليكة هاشمي