ليت مسار سنين العمر يستدير ليعيدني لأيام الطفولة، فأرحل عن ضجة المكان وأرتمي على صدر ذاك الزمان، ليأخذني نسيم فجر الأمس النقي لليال من نور، لتعود أحلامي التي رسمتها على صفحة السماء الزرقاء لتكبر وتساوي شساعة الخيال، لتعظم في قلبي الأمنيات حتى تفوق حجم الحياة، لأمارس لعبة عدّ النجوم وأسترق من الليل أكبر النجوم، أحتضنها بكل حب فتغني لي أغنية أغفو على لحنها ثم تقبلني قبلة الوداع وتلوح لي عائدة إلى السماء، أعود لتلك الأيام لأجتمع بذاتي وأسرد حكاياتي وأستذكر في ليلي جميل ذكرياتي، لأوقد الحنين نارا تطفئ معاناتي، لأجتمع برفقة الصبا فنرقص تحت قطرات المطر رقصة المطر، لنشكل من الطين دمى لا تشبه الدمى، ليصنع لنا فصل الطفولة من أزهار الربيع تاجا ومن أوراق الخريف قصرا ومن شمس الصيف مملكة ومن أمطار الشتاء حياة حيث لا مكان للقسوة، وترسم لنا الطبيعة بسمتها الخجولة ونظرتها الفاتنة لتذهلنا بسحرها اللامتناهي وتنعشنا بأنفاسها العذبة، لنظل نراقب سنين العمر وهي تمر أمام أعيننا فنحن إليها كحنين الدجى لضوء القمر ونشتاقها كاشتياق الزهرة لزخات المطر، نحن لمراقبة الشمس حين تسير إلى منعرجها السماوي الأخير، فتمتزج ألوان الطيف لينبثق منها لون الكمال العاطفي، لون الأناقة الفاخر الذي يختصر معاني الطهر الأبدي، هي الطفولة إذن سنين الجمال الخالص وعامل السحر المطلق، منها يستمد القلب توهجه وبها تفيض الخيالات، إنها الرؤى المشرقة وتأملات الروح الممتعة، عالم صنع لنا أجمل اللحظات، إنها هدية السماء الأكثر قدسية في أعماقنا والقصص الأكثر تشويقا فينا والجوهرة الأكثر تلألؤا في وجداننا، هي الأريج العبق في أعمارنا والإطلالة الأكثر براءة في أيامنا.
زهرة سالمي