لقد جاءت رسالة الإسلام منذ ألفٍ وأربعمائة سنة حاملةً كل معاني الخير للبشرية جمعاء ولقد عبر القرآن عن هذا المعنى بدقة ففي خطاب الله للنبي صلى الله عليه وسلم قال: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” سورة الأنبياء 107، فدعوة الإسلام جاءت مستهدفة الناس جميعاً على اختلاف أنواعهم وأعراقهم وألوانهم وغيرها من المعايير التي يصنف على أساسها البشر، وتقر لهم كافة الحقوق على حد سواء فلا يتم التعامل مع أي من الناس باعتبار شكله أو لونه أو عرقه أو حسبه ونسبه، بل إن معيار التفاضل الوحيد الذي أقره الإسلام بين الناس هو التقوى، فكل الناس في الإسلام سواسية فالإنسان هو الإنسان كان غني أم فقير قوي أم ضعيف حاكم أم محكوم، ويمكننا أن نلمس وجود مبدأ المساواة بين الناس في الإسلام في كثير من المواضع في القرآن الكريم والكثير من المواقف في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
فلقد جاء في القرآن الكريم بيان أن الناس جميعاً يرجع نسبهم إلى أب واحد وأم واحدة فهم بذلك أخوة لا يجب أن يتم التفريق في المعاملة بينهم بأي شكل من الأشكال فقد قال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” سورة الحجرات 13، كما أنه لا يمكننا أن نغض الطرف عن ما احتوت عليه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من أحداث ومواقف تأصل وتأكد على مبدأ المساواة الذي يتم على أساسه التعامل مع كل الناس في الإسلام، فها هو صلى الله عليه وسلم يؤكد أنه لا يمكن لأحد مهما كانت مكانته أن يكون فوق القانون وأن يتم معاملته بأسلوب مخالف لما يُعامَل به عامة الناس فيقر عقوبة السارق ولو كان واحدا أهل بيته، فيقول في ضرر عدم المساواة في معاقبة المجرمين والتمييز بينهم بناءً على مكانتهم وأنسابهم: “إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق منهم الشريف تركوه، وإذا سرق منهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها”.
ولقد كانت حياة الصحابة في المدينة المنورة خير مثالٍ للتعايش والمساواة بين مختلف الأعراق والأجناس فلا نرى بين الصحابة تمييزاً بين أبي بكر العربي وبلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي، جمعهم الإسلام جميعاً تحت عباءته إخواننا متحابين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: “الناس سواسية كأسنان المشط الواحد. لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى”. والناظر إلى حضارة المسلمين في مختلف مراحلها يلمس حقيقة المساواة بينهم وأن الحق في المساواة حقٌ أصيل وليست وجهة نظر ولا يقوم على أهواء الناس، فها هم يصطفون في الصلاة جنباً إلى جنب الحاكم والمحكوم والغني والفقير والقوي والضعيف والكبير والصغير خلف رجل واحد مستقبلين قبلةً واحدة متذللين منكسرين لإله واحد.