للعلامة الشيخ محمد المختار بن بلعمش الجكني.. الدكتور بريك الله حبيب يحقق ثلاث رسائل مخطوطة جديدة

elmaouid

إن المشتغل على التراث بشتى أصناف علومه ومعارفه يعي جيدا أهمية ما تزخر به هاته المخطوطات التي تكتنزها خزائن جزائرنا الحبيبة، وتمتاز بكونها كنوز ونفائس ونوادر تحتاج من أصحاب التخصص والقائمين على

هذا العلم السهل الممتنع، العمل على تقديم المزيد من الجهد والعناية مع وجود الإخلاص في العمل.

وتكمن هاته العناية وهذا الجهد المضاعف في الفهرسة الجيدة والدقيقة لمحتوى المخطوطات وتحقيقها تحقيقا أكاديميا أو تخريجها تخريجا علميا صحيحا وسليما، ولا نتركها حبيسة الرفوف، وقبل ذلك كي لا ننسى العمليات التي تسبق الفهرسة والتحقيق والتخريج وهو عمل شاق ومتعب، وهي عمليات الحفظ والترميم والصيانة ثم التجليد وغيرها من المراحل الأخرى التي تحافظ على سلامة المخطوط ككيان وكهوية وتاريخ لأجيال قضت وأفنت عمرها من أجل أن يصلنا هذا الكم الهائل من النور الذي يضيء لنا الطريق نحو الخلاص والتوفيق في أمور الدين والدنيا.

ومن هذا المنطلق، يشدد الدكتور حبيب بريك على ضرورة محاولة كسر هذا العائق الذي يجده الكثير ممن يحاولون الاشتغال على المخطوطات سواء بتحقيقها أو تخريجها أو الاستعانة بها كمراجع لأبحاث أكاديمية وخاصة منها المخطوطات الجكنية بخزائن تندوف العامرة، ولذا ارتأى الدكتور بريك الله حبيب وحاول جاهدا تحقيق وتخريج هاته المخطوطات الثلاثة المعنونة بنصيحة قضاة البرية في منع الرشوة والهدية، شفاء الصدور في فتح مسألتي المشكور، ومعرفة المباني لصحة المعاني والإعانة للمقصر العاني لصاحبها العلامة الفقيه محمد المختار بن بلعمش الجكني التيندوفي، وعنها قال الدكتور بريك الله حبيب لـ “الموعد اليومي”: “هي عبارة عن رسائل منوعة في فنون مختلفة منها الفقه والعلم القراءات وفوائد الصلاة على النبي المختار صلى الله عليه وسلم، وسوف نقرأ من خلال هذه العجالة العلمية بعض الفوائد حول هاته الرسائل الثلاثة المخطوطة والتي وفقت في طباعتها وسوف ترى النور إن شاء الله في معرض الكتاب الدولي القادم بالجزائر أكتوبر 2018، غير أنه لابد من أن نبدأ حديثنا بترجمة موجزة جدا حول صاحب هاته الرسائل العلمية فنقول:

 

ترجمة الفقيه

قال عنه الشيخ أبو بكر بن أحمد المصطفى المحجوبي الولاتي في كتابه منح الرب الغفور في باب ذكر وقائع عام 1287هـ/1870م ما نصه: “وفيه توفي العالم الفقيه محمد المختار بن ابن الأعمش الجكني، كان رحمه الله فاضلا نجيبا رئيسا نبيلا نبيها وجيها كبير الشأن، رفيع الدرجة عالي الهمة حسن الخلق والخلق، فقيها نحويا لغويا جعله الله إماما يقتدى به في العلم والدين ومهمات الدنيا اجتمعت فيه أمور العلم والقضاء والعدل والرياسة. وكان من العلماء العاملين قائما بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانتفع به كثير من تجكانت وغيرهم وكان معمرا للأوقات بالطاعات، وكان لا يستحي من قول الحق فيما كان وعلى من كان، اشتهر عدله في جميع الساحل، حتى أنهم يسمون من أبى شرعه “الظالم”.

ومن أشهر مؤلفاته مجموعة من المخطوطات النفيسة والقيّمة التي ما زالت في خزانة أهل بلعمش ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: “نصيحة قضاة البرية في منع الرشوة والهدية” عام 1242 هـو “شفاء الصدور في فتح مسألتي المشكور” عام 1262 هـو “مقابلة وطرر على القاموس المحيط للفيروز أبادي” سنة 1264هـ.

وقد توفي العلامة الفقيه رحمه الله عن عمر يناهز 85 سنة تقريبا أي في عام 1285هـ كما ورد في آخر هاته المخطوطة شفاء الصدور في فتح مسألتي المشكور بخط أحد أقاربه، حيث يقول صاحب الإضافة: ومن أشهر أقواله عن تيندوف: “تندوف رزقها يأتيها من بعيد، والميت فيها بإذن الله سعيد، والباغي فيها يموت بالحديد”.

 

وعن الكتاب الأول: “نصيحة قضاة البرية في منع الرشوة والهدية” قال الدكتور بريك الله: “الكتاب يفصح عن مغزاه ومحتواه العام، فهو واضح الدلالة على أن هذا المؤلَّف خاص بتبيين حكم الدين في منع الرشوة والهدية. فبدأ الفقيه – رحمه الله -كتابه بمقدمة أشار فيها إلى أبوابه وما حوت فيقول: الباب الأول الذي هو كالمهاد لما بعده من الأبواب في التقوى والرشاد، والثاني في تحريم الرشوة وفيما اشتمل عليه من الفوائد كالتاج الموشي، والثالث في تحريم الهدية على جميع قضاة البرية وما ور د فيها من علماء الحنفية، حيث فصل في التعريف بالتقوى وأتى بكل ما يتعلق بها من آيات كريمة وأحاديث شريفة وآثار مفيدة وكيف تحصل للإنسان وكيف تعينه على تجنب ما حرم الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. لينتقل بعدها إلى الجواب عن السؤال الثاني الذي يوضح من خلاله تحريم الرشى وما اشتمل عليه من الفوائد كالتاج الموشي، حيث يقول:”وبالله استعنت وعلى فيض مواهبه اعتمدت، اعلم أخي رحمك الله أن الرشوة ممنوعة كتابا وسنة وإجماعا”.

 

وبخصوص الكتاب الثاني: “معرفة المباني لصحة المعاني والإعانة للمقصر العاني” يقول الدكتور: “هي رسالة موجزة في علم القراءات وفي جديد فن التدبر في القرآن الكريم لصاحبها العلامة والفقيه محمد المختار بن بلعمش الجكني التيندوفي، أردت بتحقيقها وتخريجها نفع ذوي الألباب ممن يهتمون بهذا الفن الجليل، وما يعتريه من أحكام وضوابط وشروط، والتي لا بد لقارئ القرآن ومجوده من الإلمام بقواعدها حتى يحوز الفضل في ترتيل وتجويد كلام رب العالمين سبحانه وتعالى. ناهيك عما يحوزه من الخير الأعم والفضل الأجم حينما يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول:”يقال لصاحب القرآن يوم القيامة اقرأ وأرقى في الدرجات ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرأها”.

وأضاف: “وقد جاءت هاته الرسالة مميزة عن غيرها من الرسائل الأخرى في هذا الفن كونها تحمل بين طياتها جزئية تتعلق بحقيقة تدبر آي القرآن الكريم من كونه تجويدا باطنيا، كما يشير العلامة الفقيه محمد المختار بن بلعمش الجكني رحمه الله في تأليفه هذا. وقد اعتمدت في تحقيقي على نسخة أصلية محفوظة بخزانة زاوية أهل بلعمش بموساني بتندوف، وهي نسخة كاملة، تقع في 8 لقطات (19) صفحة. والكتاب يفصح عن مغزاه ومحتواه العام، فهو واضح الدلالة على أن هذا المؤلَّف خاص بتبيين ما يختلط على العامة في علم القراءات والتفريق بين التجويد الظاهر والباطني”.

فبدأ الفقيه رحمه الله كتابه بمقدمة في فضل الذكر ثم عدد فضائله مرفوعا وبعدها ذكر فيه بابان، الباب الأول في تجويد القرآن الظاهر في مخارج الحروف، والباب الثاني في التجويد الباطن في السنن المألوف أي القراءة بالتدبر، وخاتمة في حكم الحزب المألوف ليثبت من ذلك ما يثلج به صدر العروف ويثبت به قدم ذي الزلل المتلوف، حيث فصل في المقدمة بالذكر وأتى بكل ما يتعلق بها من آيات كريمة وأحاديث شريفة وآثار مفيدة وكيف يكون الإنسان ذاكرا لينتقل بعدها إلى الجواب عن السؤال الأول الذي يوضح من خلاله التعريف بالتجويد الظاهر ويعني به تبيين مخارج الحروف وكل ما يتعلق بها من أحكام وما يشكلها من استفهام…الخ. أما الباب الثاني فيعرف فيه التجويد الباطني والذي يعني به تدبر آيات الذكر الحكيم وكيف يمكن للذاكر أن يوفق ما بين التجويد والتدبر في آن واحد، ومتى يكون الإنسان آثما وهو يتلوا كتاب ربه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ينتقل في الأخير إلى الخاتمة والذي يبين فيها رأي الشرع في حكم الحزب الراتب.

 

وعن الكتاب الثالث: “شفاء الصدور في فتح مسألتي المشكور” يقول الدكتور:”لعل هاته الرسالة لصاحبها ومؤلفها الفقيه العلامة محمد المختار بن بلعمش الجكني والتي تفصح عن هذا المغزى والكنز الوفير ذلك أنها السبيل للخير الأعم والفضل الذي يحصل لصاحبها من غفران ذنب، وسعة رزق، وكشف هم وغم، وورود حوض، وحصول شفاعة، وتكفير خطايا، وتزكية أعمال، ورفع درجات، ومغفرة ذنوب، وكتابة قيراط مثل أحد من الأجر، وكيل بمكيال أوفى، وكفاية أمر الدنيا والآخرة لمن جعل صلاته كلها صلاة عليه، وما إلى ذلك من الخيرات والبركات”.

ويستطرد الدكتور مفسرا: “أقدمت على تحقيق هاته الرسالة وإخراجها لما رأيت فيها من فوائد جليلة وإشارات لطيفة، كان ولا بد لكل واحد منا يحب نبيه صلى الله عليه وسلم ويعرف قدره أن يطلع عليها وينهج نهجها عساه يكون من الناجين والمفلحين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. ولعل من الأسباب التي جعلت الفقيه محمد المختار بن بلعمش- رحمه الله- يؤلف هذه المخطوطة أو بالأحرى هاته الرسالة هي الرغبة الشديدة والضرورة الملحمة من بعض الإخوان في الدين وقد أشار إليه الفقيه بلفظ المشكور في عنوان هاته الرسالة، حيث قال: “مسألتي المشكور” ويعني السائل مشكورا من أجل معرفة حكم ديننا الحنيف في تفاصيل فضل الصلاة على النبي المختار سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم والفوائد العائدة منها. وهل أجر الصلاة وفضلها يعود للمصلي أم للنبي صلى الله عليه وسلم أم لكل أجره وفضله، وعن فائدتها كذلك تحدث الفقيه محمد المختار بن بلعمش رحمه الله وكل ما يترتب عنها من أحكام وما يتعلق بها من مسائل فقهية، ثم رغبة من الفقيه محمد المختار بن بلعمش رحمه الله في تعليم الناس أمور دينهم وتبليغ رسالة العلم والتعليم والإرشاد لغيره وتلك هي أخلاق العلماء والفقهاء الذين يعرفون جيدا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: “من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين”، وكذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم:”من كتم علما ألجمه الله لجام من النار يوم القيامة”.

وختم الدكتور أن كل هاته الضرورات كانت سببا وجيها ومباشرا لأن يلبي العلامة والفقيه محمد المختار بن بلعمش رحمه الله هذا النداء الذي يرسم لنا الطريق الصحيح نحو معرفة فضل النبي محمد صلى الله عليه وسلم على أمته.