يبحث الأدب المقارن في العلاقات التي تنطوي على التشابه والتأثير والقرابة بين مختلف الأمم، ويحاول أن يقرب بين الأدب ومجالات المعرفة ومجالات التعبير الأخرى. وكذلك يسعى للتقريب بين الظواهر والنصوص الأدبية، وذلك رغم وجود خلاف حول دقة مدلول هذا المصطلح والمراد منه، لأن الأدب المقارن منهج في دراسة الأدب وليس أدبا إبداعيا.
وترجع نشأة الأدب المقارن إلى العقد الثالث من القرن التاسع عشر، وربما إلى سنة 1827 حين بدأ الفرنسي أبل ڤييمان يلقي محاضرات في السوربون بباريس حول علاقات الأدب الفرنسي بالآداب الأوروبية الأخرى. والجدير بالذكر أنه استعمل فيها مصطلح “الأدب المقارن” وإليه يعود الفضل في وضع الأسس الأولى لمنطقه ومنطقته، في وقت بدأ يشهد تصاعد اهتمام العلوم الإنسانية في أوروبا بالبعد المقارني في المعرفة، إذ نشأ “القانون المقارن” و”فقه اللغة المقارن” و”علم الاجتماع المقارن” وغيرها.
وفي إطلالة على أهم قضايا الأدب المقارن اليوم، انتظم الملتقى الوطني الأول حول الأدب المقارن، الذي احتضنته جامعة يحيى فارس بالمدية، وقد خلص الملتقى إلى أن هذا المجال ما زال يفتقر للبحث والدراسة من أجل تكريس هوية أدبية معينة.
الأدب المقارن كمبحث في الثقافة العربية ما زال يعاني من قصور رغم أهميته الملحة اليوم، لتنافذ العلوم الإنسانية، ولخلق صورة أكثر انفتاحا وتوازنا للذات وللآخر.
وشهد الملتقى الذي حمل عنوان “الدراسات المقارنة المعاصرة في العالم العربي، أصولها المعرفية وقضاياها الفكرية”، مشاركة عدد من الباحثين؛ إذ خصص المحور الأول من الملتقى للأصول المعرفية والفلسفية للدرس المقارن العربي المعاصر، في حين تناول المحور الثاني تطورات الدراسات الأدبية المقارنة من حيث الأدب العام، والأدب العالمي، ودراسات الترجمة وجماليات الاستقبال الأدبي، وتناول المحور الثالث التجارب التطبيقية العربية في الدرس المقارن المعاصر، بينما خصص المحور الرابع لمناقشة تحولات الدراسات المقارنة المعاصرة.
وفتح الملتقى الذي استخدمت فيه تقنية التحاضر عن بعد، المجال واسعا أمام الباحثين لعرض رؤاهم بخصوص هذا الموضوع، إذ أشار الباحث عبد القادر بوزيدة إلى عدم وجود مدرسة عربية في الأدب المقارن، داعيا إلى تضافر جهود المقارنين من أجل تكسير مسألة وجود أدب متفوق على أدب آخر.
وقدم الباحث طيب بودربالة مداخلة عن رؤية الباحث الفرنسي رونيه إيتيامبل للشرق، ركز فيها على مسألة الوعي المبكر في ما يتعلق بانحراف الدراسات المقارنة في فرنسا، وكيف نقد إيتيامبل توجهاتها المركزية، حتى صارت أشبه بمدرسة قائمة بذاتها من خلال دعواته للنظر إلى الآداب والفنون كلها، باعتبار أنها تشترك في خصائص معينة، وأنه لا أفضلية للآداب الخمسة الكبرى (الأوروبية) على غيرها من الآداب، خصوصا العربية والإفريقية.
وتناول الباحث وحيد بن بوعزيز في مداخلته “فخ المنافي أو الأدب في خدمة الإمبراطورية”، مسألة المركز والهامش، وتأثير التصور المركزي الغربي في تحديد السياسة، خاصة تجاه البلدان الأفريقية والآسيوية، ودور الحواضر الأوروبية في تدجين المثقف في العالم الثالث وتعويقه.
يشار إلى أن الملتقى تناول أيضا علاقات الآداب ببعضها البعض، ومسائل الهوية، والاختلاف الثقافي.
ق/ث