يتطلب فحص وظائف الكبد المختلفة سحب الدم من المريض وإرساله إلى المختبر في عملية تستغرق بضعة أيام، لكن شركة “هيوميديكس” الألمانية توصلت إلى طريقة سريعة لهذا الفحص عن طريق التنفس.
تتحدث شركة هيوميديكس الألمانية عن ثورة طبية صغيرة في مجال الكشف عن سلامة عمليات وظائف الكبد يمكن أن تنقذ حياة الملايين من البشر سنوياً، وبدلاً من فحص الدم تعتمد الطريقة الجديدة على قياس مستويات مختلف الأنزيمات والبروتينات الكبدية في ذرات من مادة كربونية ثقيلة يجري حقنها في الدم، تدور في شرايين وأوردة الكبد، ثم تخرج مع الزفير.
كان الأطباء الإغريق القدماء يؤمنون بمقولة “دعني أشم رائحة فمك وسأخبرك بحالة كبدك”، ويبدو أن الفحص الجديد لا يشذ كثيراً عن هذه الحكمة. وذكرت مصادر شركة هيوميديكس أن دقة الفحص التنفسي في الكشف عن مستويات وظائف الكبد لا تقل عن دقة فحص الدم.
وقال البروفيسور كارستن هاين، من جامعة برلين، وهو أحد المساهمين في تطوير الفحص، إنه إذا جرى استئصال كبد إنسان ما، لأي سبب كان، فإن ذلك لا يظهر في فحص الدم إلا بعد أكثر من يوم، في حين أن فحص وظائف الكبد عن طريق التنفس يمكن أن يظهر بعد 30 دقيقة.
يتخصص كارستن هاين، المتعاون مع شركة هيوميديكس البرلينية، بالفيزياء وليس بالطب، لكن الفضل يعود إليه في تطوير الجزيئات الكربونية الثقيلة التي تعمل مثل ساعي البريد وتكشف مستويات مختلف المواد البيولوجية في الكبد عبر الجهاز التنفسي. وأضاف الباحث أن الفحص أجري حتى الآن في إطار الدراسات الطبية السريرية التي أجريت للتأكد من دقته، لكنه لن يستغرق طويلاً كي يكون بين أيدي الأطباء.
مبدأ بسيط
ويقول هاين إن مبدأ عمل الفحص، الذي يسمى “فحص ليماكس”، بسيط وعملي لأنه يعتمد على حقن المريض قبل الفحص بمادة 13س- ميثاسيتين، وهي مادة ترتبط بجزيئاتها ذرات خاصة من الكربون. وتتميز ذرات الكربون هذه بنوى أثقل من نوى ذرات الكربون المعروف، لكنه يجري فصلها عن المادة الأصلية في داخل الخلايا الكبدية عند الانسان السليم. تتفاعل ذرات الكربون مع مختلف الأنزيمات والمواد المهمة في الكبد ثم تتسلل عبر الدم إلى الجهاز التنفسي وتخرج مع أنفاس الإنسان.
يزود الإنسان بقناع تنفس بسيط مهمته أن يقود أنفاسه إلى جهاز لقياس مستويات مختلف المواد التي ارتبطت بذرات الكربون الثقيلة الـ13 في مادة ميثاسيتين. تتولى الأشعة فوق الحمراء في الجهاز قياس معدلات المواد التي تكشف للطبيب مستوى عمل وظائف الكبد المختلفة. وطبيعي فإن نتائج الفحص تظهر على شاشة الكومبيوتر خلال دقائق قليلة.
عدد ذرات الكربون
وبغض النظر عن المستويات الدقيقة والتفصيلية للمواد والأنزيمات التي تقرر وظائف الكبد، يكفي للطبيب أن يقيس عدد ذرات الكربون في نفس المريض، كي ينال فكرة عامة عن سلامة كبده. فالكبد يكون أكثر سلامة كلما نجح أكثر في تفكيك 13س-ميثاسيتين، وبمعنى آخر كلما خرجت ذرات كربون أكثر مع الزفير. واعتبر اندرياس غاير، رئيس قسم جراحة الكبد في جامعة فورتزبورغ الطبية، الفحص مهماً جداً لحياة البشر لأنه يختصر الكثير من الزمن. فهناك الكثير من العمليات الطارئة التي لايجوز البدء فيها قبل التأكد من سلامة الكبد، وهنا يمكن لفحص ليماكس أن يمنح المرضى أملاً جديداً. وسيصبح فحص وظائف الكبد السريع عبر التنفس فاصلاً في المستقبل في عمليات زرع الكبد للمحتاجين، وكذلك في مكافحة أمراض الكبد الخطيرة مثل الأمراض الفيروسية.
دراسات في 12 مستشفى
وتمنح نتائج الدراسات السريرية على فحص ليماكس الدكتور غاير الحق في تقديره لأهمية الفحص السريع قبل إجراء عمليات الكبد. وتكشف الدراسات التي أجريت في مستشفى شاريتيه برلين، وفي 11 عيادة ألمانية أخرى متخصصة بالكبد، أن فحص ليماكس ساهم في خفض الوفيات بعد عمليات الكبد الجراحية بنسبة النصف. وجرى ذلك على وجه الخصوص في عمليات استئصال الأورام السرطانية في الكبد، والتي يجري دائماً فيها استئصال مادة كبدية سليمة أيضاً كإجراء احترازي ضد عودة الورم السرطاني. فاستئصال جزء كبير من الكبد قد يؤدي إلى عجزه، ويمكن للطبيب مستقبلاً من خلال فحص التنفس تقدير كمية المادة الكبدية الممكن استئصالها.
هذا لا يعني أن أهمية الفحص تقتصر على جانب العمليات الجراحية، لأنه يتيح للطبيب أيضا أن يقرر بسرعة ما إذا كان كبد المريض المعاني من تشمع الكبد قادر على النهوض ببعض مهماته، أم أنه لا يبقى أمامه غير عملية زرع جديد. وتصبح نتائج فحص ليماكس حاسمة أيضاً في تقرير الحاجة للعلاج الكيمياوي أو الشعاعي في أمراض الكبد السرطانية.
يذكر أن فحص وظائف الكبد عبر التنفس نال براءة الاختراع سلفاً، كما نال جائزة الابتكار السنوية التي تمنحها عاصمة الدولة الألمانية في المجال الطبي. ومن المتوقع أن تجري إجازته وتعميمه في فترة ما من السنة القادمة.
وتقول مصادر شركة هيوميديكس إن إجازة فحص ليماكس مضمونة بحكم النتائج التي تمخضت عن استخدامه في الدراسات السريرية. ورغم عدم اجازته حتى الآن فقد تم اجراؤه في مختلف الدراسات 12500 مرة، وكان دقيقاً في نتائجه وحاسماً في فائدته كل مرة.
ق. م