لا يسخر قوم من قوم

لا يسخر قوم من قوم

 

وإذا كانت السخرية من أخلاق الكفار والمنافقين فلا يليق بمسلم أن يتخلق بأخلاقهم، فيسخر من إخوانه المسلمين، أو يلمزهم، أو ينابزهم بألقاب فيها تحقير لهم، وحط من شأنهم وقد نهاه الله تعالى عن ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ” المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره” رواه مسلم. والسخرية من الناس تنم عن كبر في قلب صاحبها، وتعالٍ على من سخر بهم، فلا يرى لهم عليه حق التوقير والاحترام، ويأنف من أُخُوتهم وهم إخوانه في الدين، والكبر من كبائر الذنوب، وجاء في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر” ثم فسر عليه الصلاة والسلام الكبر بأنه ” بطر الحق وغمط الناس” وغمط الناس هو احتقارهم وازدراؤهم؛ وذلك يحصل من النظر إلى النفس بعين الكمال وإلى غيره بعين النقص.

وقد يكون الدافع إلى سخرية المرء بأخيه المسلم: حسده له على نعمة لم يبلغها، ويرى أن أخاه لا يستحقها، فيبلغ به حسده، وظلمة قلبه عليه أن يسخر من أخيه ويحتقره ويتنقصه؛ ليحط من قدره، وينزله من مكانته، ويعلي من شأن نفسه، ويلفت الأنظار إليه، ولسان حاله يقول: أنا أحق به من نعمته. والسخرية تقود إلى الغيبة وهي من كبائر الذنوب، فقد لا يستطيع السخرية بحضرة أخيه، فيسخر به من ورائه؛ فتكون سخرية وغيبة، ويكون هو بمثابة من أكل لحم أخيه ميتا. وصاحب السخرية لا بد أن يكون همازا لمازا، واللمز هو المباشرة بالسوء والمكروه، والمواجهة بالقدح والعيب، ويكون بالقول. والهمز يكون بالفعل كأن يعيبه بالإشارة بالعين أو بالرأس بحضرته أو عند توليه. وإذا فشت السخرية في الناس تنابزوا بالألقاب، وعيَّر بعضهم بعضا، فتنافرت قلوبهم، وانحلت روابطهم، فتعادوا وتهاجروا، وتدابروا وتباغضوا، ولم يكونوا عباد الله إخوانا؛ ولذا نهاهم الله تعالى عن التنابز بالألقاب، والتنادي بالعيوب والمعاير ” وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ ” الحجرات:11.