لا تحزن

لا تحزن

الحزن هو أحد صور المشاعر الإنسانية الفِطرية، وهو الذي يخطف منا كل ألوان الحياة الجميلة، وهو العاطفة الإنسانية الوحيدة التي تتساقط عنها كل الأقنعة، وهو الكتاب المغلق الذي لا نفتحه إلا أمام أصدقائنا المقرَّبين، وهو الذي يُشعرنا بضعفنا وقِلَّة حيلتِنا وحاجتنا إلى المساعدة. إلا أن الإسراف في الحزن ليس مطلوبًا شرعًا ولا مقصودًا أصلاً، بل هو منهي عنه؛ فقال تعالى: ” وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا ” آل عمران: ١٣٩، ” وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ” الحجر: ٨٨، ” لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ” البقرة: ٣٨، فالحزن خمود لجذوة الطلب، وهمودٌ لرُوح الهمَّة، وبرودٌ في النفس، وهو حُمَّى تشلُّ جسم الحياة. فلماذا المبالغة في الحزن إذًا؟! وماذا يعمل الحزن غير تكدير الحياة، ومنْع الإرادة من التحليق في رحاب سماء الطموح وإثبات الذات، هل الحزن يعود بشيء غير أنه يُزعجك من الماضي ويخوفك من المستقبل، ويهدم عليك وقتك؟ هل الحزن يفرج عن النفس ويشفي القلب؟ كلا، بل يُديم كربَكَ ويَجعلُك تتقوقَع داخل دائرة سماؤها رمادية، وأرضُها جدباء، وحياتها ذابلة، حرمت عليك فيها الضحكة، تتنفَّس فيها الآهات وتتجرَّع الآلام. عندما يعلم الإنسان يقينًا أن الأمور مفروغ منها ومكتوبة لا يُمكن أن يتملَّكه طوفان الحزن العارم، وكيف يحزن وهو يعلم بأن كل هؤلاء البشر الذين حَوله لا يَملِكون له نفعًا ولا ضرًّا، فلمَ القلق؟! ولم الحزن إذًا؟! فكلُّنا مُعرَّضون للمِحَن والمَصائب بما فعلت أيدينا؛ قال تعالى: ” وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ” الشورى: 30، وجميعنا مبتلون، إما محبة من الله أو اختبارًا منه، أو لتخفيف ذنوبنا؛ قال تعالى: ” وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ” البقرة: 155، فلماذا لا نُغيِّر مفهومنا عن المصائب والأحزان، نؤمن بأنها قد تكون علامة على محبَّة الله للعبد، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم”، وقال صلى الله عليه وسلم: “أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون”. فإلى كل حزين وكل مهموم وكل مُكتئب وكل متشائم، هل فكرت يومًا في أن تطرق بابَ من لا يُخيِّبُ طارقًا؟ هل لجأت إلى من لا ملجأ منه إلا إليه؟ هل خطر لك أن تتعلَّق بباب أرحم الراحمين ؟!

من موقع الالوكة الإسلامي