بعض الناس إذا اختلى بنفسه، لم يراقب الله تعالى، ولم يَسْتَحِ منه، فوقع في المحرَّمات، والاختلاء لا يشترط فيه الخلوة عن الناس، فقد ترى شابًّا يجلس أمام والديه وإخوته؛ ولكنه ينظر في جواله يقلب صفحات الإنترنت على مواقع إباحية وجلساؤه لا يعلمون به، وقد ترى شابًّا يسافر إلى بعض الدول التي تعلن الفجور، فيفجر معهم؛ لأنه لا يرى فيها أحدًا يعرفه، ناسيًا ربَّه المطَّلع عليه، ومن هؤلاء من تكون خلواته في مشاهدة القنوات الفضائية الفاسدة، والنظر في الإنترنت إلى المواقع الفاضحة، واستعمال أسماء مستعارة للمحادثة والمراسلة مع الأجنبيات، وقد تجد لهؤلاء نصيبًا من الصلاة والصيام، ومن هنا كان هذا الحديث محذِّرًا لهم أن يجعل حسناتهم هباءً منثورًا يوم القيامة، إن لم يبادروا بالتوبة.
فالواجب على المسلم أن يحذر من ذنوب الخلوات، فالله تعالى قد ذمَّ مَنْ يستخفي بذنبه من الناس، ولا يستخفي من الله؛ قال تعالى: ” يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ” النساء: 108. ولنعلم بأن ذنوب الخلوات مدعاة لسوء الخاتمة؛ قال ابن القيم رحمه الله تعالى: “أجمع العارفون أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات، وأن طاعة السر هي أصل الثبات”. ولنعلم أن الله تعالى قد يبتلي عبده فيُهيِّئ له معصية، ليرى هل يخافه بالغيب؟ أم أنه لا يخشاه إلا بحضور الناس فقط؟ قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ” المائدة: 94، فانتبه يا عبد الله من المعصية حين تكون وحدك؛ ولذلك كان أجر من دعته امرأة ذات منصب وجمال بعد أن اختلت به، الاستظلال تحت العرش يوم القيامة؛ لأنه قال لها: “إني أخاف الله”، فلنخْشَ الله تعالى في السر والعلن، ولا نجعل الله تعالى أهون الناظرين إلينا، ولنكثر من الطاعات والعبادات في السر والخفاء؛ قال تعالى: ” إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ” الملك: 12.