تمكّن فريق بحث جزائري بمركز البحث في البيوتكنولوجيا من التوصل إلى تقنية تشخيص ميكروبيولوجي دقيقة تتيح توجيه مرضى السرطان نحو العلاج المناسب لحالاتهم الجينية، في خطوة علمية من شأنها أن تغيّر مسار علاج السرطان في البلاد.
وفي لقاء اذاعي، كشفت الباحثة سلام فريال، رئيسة فريق البحث حول السرطان والأمراض النادرة بالمركز، أن الفرقة تنتمي إلى قسم البيوتكنولوجيا، وتعمل على مشاريع علمية متعددة في مجال السرطان، منها ما يخص سرطان الدم، وسرطان الرئة، وسرطان البنكرياس. وأوضحت أن مجال البحث الأساسي للفريق هو الطب الدقيق والشخصي، الذي يعتمد على تحليل الاختلالات الجينية لتحديد الفئة المستهدفة من المرضى الذين يمكن أن يستفيدوا من الأدوية الحديثة. فكل مجموعة من المرضى تُظهر خللاً جينياً محدداً، ما يسمح بتوجيهها إلى أدوية مصممة خصيصاً لهذا النوع من الخلل، على عكس العلاج الكيميائي التقليدي الذي يُعطى بشكل موحد لجميع المصابين بنفس نوع السرطان. وأضافت الباحثة، أن أول مشروع للفريق كان مخصصاً لسرطان الرئة، وقد انطلق سنة 2015، بقيادة الباحث محمد لحمادي، الذي أجرى منذ ذلك الحين العديد من البحوث في مجال الطب الدقيق. ويستند مشروعه البحثي على فكرة أن كل مريض يجب أن يستفيد من علاج مخصص مبني على التحليل الجيني لحالته. وفيما يتعلق بالطرق الحديثة للتحليل الجيني، أوضحت فريال أن الفريق يسعى إلى توقع استجابة المرضى للأدوية في المختبر، من خلال استخدام عينات من أنسجة المرضى. وتُؤخذ هذه الأنسجة، عبر الوخز عادة، لتأكيد وجود السرطان ومن ثم إخضاعها للتحليل الجيني. وأشارت إلى أن البحث العلمي الذي يعمل عليه الفريق يهدف إلى تثبيت طرق حديثة في التحليل الجيني باستخدام عينات دم بدلاً من الأنسجة. ويتم ذلك عبر استخلاص الحمض النووي للخلايا السرطانية المنتشرة في الدم وتحليله، مما يمثل نقلة نوعية في دقة وسهولة التشخيص. وتمكن الفريق لأول مرة في الجزائر من تطوير نماذج خلوية تعرف باسم الأورغانويد السرطانية، وذلك من خلال زراعة ثلاثية الأبعاد للخلايا السرطانية المستخرجة من المرضى. وتُحاكي هذه النماذج التكوين الخلوي لمرض السرطان لدى الإنسان، مع احتفاظها بكافة الخصائص الخاصة بسرطان كل مريض، ما يجعلها أداة فعالة في أبحاث السرطان وتجريب الأدوية. ووفقاً للباحثة، فإن هذه النماذج تُستخدم لاستخلاص الحمض النووي من أجل تحديد مختلف الاختلالات الجينية، وتجريب الأدوية لمعرفة مدى استجابة المريض مخبرياً، بما يسمح بتحديد العلاج الأنسب لكل حالة، وتوفير الوقت والجهد. كما تُستعمل هذه النماذج في أبحاث موجهة نحو سرطان الرئة لدى المرضى الجزائريين. وفيما يخص مشروع البحث الخاص بتشخيص سرطانات الدم، أكدت فريال أن الفريق توصل إلى تصنيع كواشف جزيئية باستخدام تقنيات بيوتكنولوجية تسمح بتطبيق طرق التشخيص الجيني للكشف عن الاختلالات الكروموزومية المرتبطة بأنواع مختلفة من السرطان، وبالأخص سرطانات الدم. وتشمل هذه الكواشف الكروموزومات الأكثر عرضة للاختلالات، وهي الكروموزومات 13، 18، 21، X، وY. وشددت على أن هذه الاكتشافات العلمية، من شأنها أن تُحدث فارقاً كبيراً في علاج المرضى، إذ يتم توجيههم للعلاج الدقيق فور تشخيصهم، دون المرور بالعلاج الكيميائي العشوائي المعروف بآثاره الجانبية الكبيرة. فحالياً، يخضع جميع المرضى المصابين بنفس نوع السرطان للعلاج الكيميائي نفسه، رغم اختلاف حالتهم الجينية. وأبرزت الباحثة أن التقنيات المكتشفة ستمكن من تحديد العلاج الخاص بكل مريض على حدة، استناداً إلى التحليل الجيني، وهو ما يسمح بتوقّع استجابة المريض للعلاج مسبقاً، وضمان تلقيه العلاج الأنسب بناءً على تجارب مخبرية دقيقة. ورغم توفر علاج سرطان الدم حالياً في المستشفيات الجزائرية، إلا أن المشكلة تكمن في التشخيص، الذي لا يزال مكلفاً ونادراً، ويستلزم أحياناً اللجوء إلى مخابر أوروبية. أما اليوم، فبفضل هذه التقنيات الجديدة، أصبح بالإمكان توفير تشخيص مبكر وبتكلفة أقل، مع توجيه فوري للعلاج المناسب. وأكدت الباحثة، أن الفريق طبّق فعلياً هذه التقنية مع مرضى من مستشفيات وعيادات طبية في قسنطينة وولايات أخرى، مشيرة إلى وجود استجابة كبيرة من الأطباء والمرضى على حد سواء. وأكدت أن فريقها هو الأول في الجزائر الذي قام بهذا النوع من البحوث وتوصل إلى هذه النتائج. كما عبرت عن طموح الفريق في المستقبل القريب بتوسيع نطاق تطبيق هذه التجارب على مستوى المستشفيات الجزائرية كافة، بما يضمن استفادة كل المرضى من التشخيص المبكر والعلاج الدقيق، خاصة وأن الإشكال المطروح حالياً لدى مرضى السرطان هو التشخيص المتأخر. وتابعت الباحثة بالقول إن الاكتشافات التي تم التوصل إليها ستمكن من تشخيص المرض في مراحله الأولى، وتحديد العلاج المناسب بسرعة، مما يقلل من معاناة المرضى بشكل كبير. وفيما يتعلق بمشروع الفريق الخاص بسرطان الثدي، كشفت الباحثة عن أن الدكتور عبد المالك رزقي والبروفيسور وداد صبحي توصلا لأول مرة إلى اكتشاف مسار جديد لإشارات الخلايا في سرطان الثدي، وهو اكتشاف علمي من شأنه أن يفتح آفاقاً واسعة لإجراء تجارب علاجية مستقبلية في العالم. وقد تم نشر نتائج هذا البحث في مجلة دولية علمية تابعة لـ ELSEVIER.
سامي سعد
