لئن كانت الحاجة إلى حسن الظن بالله في عموم الأحوال ففي حال الشدائد تعظم الحاجة وتتأكد؛ ولذا كان ذلك الظن زادَ الأنبياء حال الكرب؛ فهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما ألقي في النار قال: ” حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ” آل عمران: 173، وموسى عليه الصلاة والسلام لما انحصر مع قومه بين بحر متلاطم وعدوٍّ غاشم قال: ” إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ” الشعراء: 62، ويعقوب عليه الصلاة والسلام لما افتقد فلذتي كبده قال: ” يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ”.
وكان قول طالوت وجنده لما برزوا لجالوت وجنده الذين فاقوهم عدداً وعدة كما أخبر الله عنهم ” قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ” البقرة: 249، ولما هُدّد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بتآلب الناس عليهم قالوا ” حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ “، ولما عرضت لهم فِي حفر الْخَنْدَقِ صَخْرَةٌ لَا تَأْخُذُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ اشْتَكَوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ فَقَالَ: “بِسْمِ اللَّهِ”، فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَهَا وَقَالَ: “اللَّهُ أَكْبَرُ! أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ السَّاعَةَ”، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ فَقَطَعَ الثُّلُثَ الْآخَرَ، فَقَالَ: “اللَّهُ أَكْبَرُ! أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسٍ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قَصْرَ الْمَدَائِنِ أَبْيَضَ”، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ وَقَالَ: “بِسْمِ اللَّهِ”، فَقَطَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: “اللَّهُ أَكْبَرُ! أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا السَّاعَةَ” رواه أحمد.
ومن كان قوي القلب منشرح الصدر عظيم التفاؤل ثابت المبادئ باذلاً الأسباب المشروعة في دفع الشدائد ملحا في الدعاء كان جديراً بتبديل الله لحاله؛ وتلك ثمرة لحسن ظنه بربه. فيا أيها المهموم يا أيها المظلوم يا أيها المريض يا أيها المسحور يا أيها العقيم يا أيها المعقوق يا أيها الفقير يا أيها المحزون يا أيها الغريب يا أيها المصلح أحسنوا الظن بمولاكم؛ فلن تجنوا إلا ما ظننتم.