يقول الله تبارك وتعالى: ” ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ” الروم: 41، لنتأمل هذه الآية الكريمة، من الفساد الذي نص عليه المفسرون في تفسير هذه الآية: تأخر الأمطار، وفساد الثمار، وغلاء الأسعار، وانتشار الفتن والقتال، والبلاء والغلاء والأوبئة التي تحصل للناس، كل ذلك من الفساد في الأرض الذي سببه ذنوب الناس، فيقرر القرآن أنه انتشر وظهر بسبب ما كسبته أيدي الناس؛ وذلك لعلة؛ من أجل أن يتوبوا إلى الله ويرجعوا إليه: ” بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ” الروم: 41؛ هذا الذي ينزل بهم من أجل أن يرجعوا ويتوبوا إلى الله، فالواجب أن نتوب إلى الله على ثلاثة مستويات: أن نتوب توبة فردية شخصية، كل واحد منا يرجع إلى نفسه ويحاسبها، يتذكر أنه مذنب ومساهم فيما نزل من البلاء، ثم يحصر أهم الذنوب، ويبدأ في التوبة منها، يبدأ بالأكبر ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، وهكذا، ولا يمنع أن يتوب منها جميعًا دفعة واحدة، أو يتدرج في ذلك إذا لم يستطِعْ، المهم أن تكون لديه النية الصادقة في التوبة إلى الله، وأن يكون عنده الأسفُ والندم على ما قدم، وأن يكون عنده العزم والتصميم على ألَّا يعود، وأن يرد الحقوق إلى أهلها إن كان لديه حقوق للناس. ثم المجتمع بشكل عام ينظر إلى نفسه، وإلى ما يدور في أوساطه، ينظر إلى توجهه أين هو متجه، وللأسف الشديد الملاحظ أن هناك اتجاهًا إلى الانحدار والانحراف، اتجاهًا إلى تحطيم القيم والأخلاق، وإلى الهبوط إلى مستويات ما كانت معهودة، هذا كله يجب على المجتمع كافة، ويمثله العقلاء، والعلماء، والحكماء، وأولو الرأي، وأولو الكلمة المسموعة ، فيجب أن يفكروا ويتدارسوا أمرهم، ويبدؤوا يحذرون مما هم فيه، ومما ينتظر أن يستقبلهم مما لا يرضاه أحد لنفسه ولا لمجتمعه، ويُفْشُوا فينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ليزول ذلك؛ لأن هذه الذنوب والمعاصي والانحرافات أعظم دواء لها أن ينتصب بيننا تلك الأمة التي أُمرنا أن تخرج منا: ” وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ” آل عمران: 104؛ فلاح في الدنيا، وفلاح في الآخرة.