إن الإسلام بمنظومته العقائدية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، يهدف للقضاء على الفقر، فكما يعاني العالم اليوم من مشكلة الفقر فإنه قد عانى قديمًا، فكان الحل النبوي لهذه المشكلة حلًّا عمليًّا متدرجًا، مبنيًّا على تعاليم الإسلام وأحكامه، وتُعَد نظرةُ الإسلام إلى مشكلة الفقر ومنهجيته في معالجتها من أنجح الطرق والأساليب في ذلك؛ حيث يدرك ذلك المطَّلِع على حقيقة الإسلام، وما جاء به من تعاليم ومبادئ لتعطي الأحكام وتبني التصورات ليس على الشكل الظاهري للأمور فحسب، بل تمتد إلى عمقها، فتعالج القضايا من جذورها بشمولية وتكامل واتزان؛ ولأجل ذلك تميز الإسلامُ عن غيره بعمق المعالجة، وشمولية النظرة وتكاملها، واتزان الطرح. ومن الوسائل المادية التي استُخدمت في كتاب الله تعالى لعلاج مشكلة الفقر:
السعي والأخذ بالأسباب؛ قال تعالى: ” هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ” الملك: 15؛ فالعمل يُعَدُّ السلاحَ الأول لمحاربة الفقر، والسبب الأول في جلب الثروة، والعنصر الأول في عمارة الأرض؛ لذا يحث الإسلامُ على العمل المنتج الحلال، ويعتبره خير وسيلة للكسب، فيقول الله عز وجل ” فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” الجمعة: 10، فضلًا عن كثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي تحثُّ على العمل، منها قوله صلى الله عليه وسلم: “ما أكل أحدٌ طعامًا قط خيرًا من أن يأكل مِن عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكلُ مِن عمل يده” رواه البخاري، فبدأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بتشجيع الناس على مزاولة الأعمال، وبعض المِهَن والصناعات، كما كان يفعل الأنبياءُ عليهم الصلاة والسلام.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوةَ الحسنة في هذا الشأن؛ حيث كان يرعى الغنم، ويزاول التجارة بأموال خديجة رضي الله عنها قبل بعثته؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما بعَث الله نبيًّا إلا رعى الغنم”، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: “نعم، كنتُ أرعاها على قراريطَ لأهلِ مكةَ” رواه البخاري. وكانت نظرتُه صلى الله عليه وسلم للعمل نظرةَ تقديرٍ واحترام، مهما كانت طبيعتُه؛ فإنه خيرٌ مِن سؤال الناس؛ يقول صلى الله عليه وسلم: “لأن يأخُذَ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره، فيبيعها، فيكف الله بها وجهه: خيرٌ له من أن يسأل الناس، أعطَوْه أو منعُوه” رواه البخاري.